في فيلم «العائد» يهجم دُب في وسط الغابة بشكل مفاجئ على الممثل «ليوناردو دي كابريو»، حيث لم يترك له فرصة لاتخاذ أحد الاحتمالين وهما: الاستسلام للخوف وإطلاق ساقيه للريح، حيث يمكن أن ينجو ويمكن أن يلاقي حتفه، وإما أن يواجه الدب وينجو إلى الأبد أو يموت.

«كابريو» الحاصل على أوسكار أفضل ممثل عام 2016 عن دورة في هذا الفيلم، لم يكن أمامه في هذا الهجوم المباغت من الدب سوى اتخاذ القرار الثاني ليواجه الدب في مشهد مليء بالإثارة والتشويق وتحريك عالي الإتقان للكاميرا، حيث يطلق رصاصة من بندقية صيد لكنها لم تؤثر في الدب الضخم، وعندما بلغ حد الموت من هجوم الدب الشرس، يستعيد قواه ويستل سكيناً ويوجه بشكل مباغت عدة طعنات متتالية في جسد الدب الجاثي عليه فيصرعه.

فأن تكون في الغابة، يكون حتماً عليك أن تقاتل من أجل البقاء، فقانون الغاب كما هو معروف هو القوة وكذلك الشجاعة التي تبني تلك القوة، فقرار الهروب في الغابة يعني بأنك ستكون في حالة هروب وإلى الأبد، ما يعني الضياع وإلى الأبد.

لكن كيف هي المواجهة في الغابة البشرية حين تكون في مواجهة الدببة والذئاب والأفاعي البشرية، كيف تواجه هذه الوحوش التي ليس همها فقط قتلك، بل الاستحواذ على عقلك وتوجيهك نحو كل ما يجردك من إنسانيتك من سجيتك وتفكيرك الذي بني على القبول والتسامح والحب، كيف تواجه عبث هؤلاء المصرين على أن يعيشوا في الظلام وأن يجروا البشر إلى صراعات أيدلوجية لا تنتهي، يجردوهم من تسامحهم الديني وقبولهم للآخر من سجيتهم الطيبة ويقودوهم بحجج وأفكار واهية لا تصلح إلا لأولئك الذين قرروا العيش في الجحور، الذين يتحينون الفرص للانقضاض على الحياة، وإفشال كل شيء جميل يحدث من أجل ازدهارها.

لذا في مواجهة هذه الوحوش لا بد أيضاً من الاشتباك، لا بد من القتال لينكفئ الظلاميون أعداء الحياة، ولكن كيف تقضي قواعد الاشتباك في مواجهة هؤلاء؟
يشكل المضي في تنفيذ مشاريع البناء أكثر قواعد الاشتباك نجاعة لإزاحة هذه الوحوش من المشهد، المضي في تكريس السلام والقبول والتسامح، بناء الأساسات جيداً ليشع نورها جمالاً متتالياً، ليصدح لحن الحياة عالياً يلامس الغيم والسماء، يحتوي البحر والجبال والصحاري والبساتين، لحن يبقى خالداً تتهشم بوجوده الأصوات الرديئة وأسلحة الموهومين بالوصاية على الحياة والأديان، الموهومين بامتلاكهم للخلاص.