عابراً في تقاطعات الحياة، التقيت بهما يوم أمس جالسين في ركنٍ ناءٍ يتسامران في ذكريات وآمال. المسرحيان الرائعان ناجي الحاي وجمال مطر اللذان وضعا بصمتيهما في مسيرة المسرح الإماراتي منذ الثمانينيات، واستمرا في العطاء لأكثر من ثلاثين سنة، لكنهما اليوم بعيدان عنه كل البعد. وبالكاد يراهما أحد في الفعاليات المسرحية منذ نحو عشر سنوات. لم أشأ أن أتحدث معهما عن هذا الابتعاد لعلمي أن الأمر معقد ومتداخل ويتعلق بشؤون المسرح وعلاقته بالجمهور والمجتمع والجوائز والمهرجانات والمؤثرات، التي دخلت عليه وأهمّها تغير نمط معيشة الناس. لكن الجلوس معهما فتح لي أفقاً لاسترجاع محطات مفصلية في تاريخ هذا الفن كان كلاهما حاضراً فيه.
كان المسرح الإماراتي نشطاً ومتفاعلاً مع المجتمع منذ الستينيات، وربما أقدم من ذلك بأعوام، بدأ بمجموعات من الهواء في المدارس النظامية، وتطور لاحقاً إلى إنشاء الفرق المسرحية. شاركت بعض المسرحيات في طرح قضايا جوهرية من بينها مقاومة الاستعمار الإنجليزي، وأخرى طرحت بجرأة قضايا اجتماعية من الواقع. وكل فرقة مسرحية في الإمارات تمتلك اليوم خزينة واسعة من العروض الجميلة الناجحة اجتماعياً وفنياً. وهي جميعها بلا استثناء تُدين بالفضل إلى الدعم السخي الذي توفر للمسرح من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وكذلك وزارة الشؤون الاجتماعية التي أشهرت المسارح وقدمت لها الدعم المادي للاستمرار.
في نهاية الثمانينيات، كان المسرح المحلي قد نضج على المستوى الفني بتكاثر الممثلين المحليين، وتوافد المخرجين الكبار لتدريبهم من الوطن العربي، وكانت الساحة المسرحية تبحث عن تحوّل حداثي وفكري جديد من أبناء المسرح أنفسهم، أسوةً بما حدث في تلك الفترة للشعر والقصة القصيرة والفن التشكيلي، حيث برزت أسماء محلية تبنت خط التجديد والتحديث والتجريب، فظهر ناجي الحاي بمغامرته الرائعة مسرحية (حبة رمل) التي كسر فيها مفهوم المسرح التقليدي، وقدمها في ساحة شعبية محاطة ببيوت العريش، وقدم جمال مطر مسرحيته (جميلة) على ساحل البحر في منطقة الخان بالشارقة، فحدثت النقلة لكليهما، ثم تبعاها بمسرحيات ناجحة كثيرة من بينها (قبر الولي) لجمال و(بنت عيسى) لناجي، فاشتعلت وكبرت روح المنافسة في المسرح، وأصبح التجديد والتجريب في المسرح مطلباً فنياً ملحاً.
كنت أتمنى أن يواصل جمال وناجي حضورهما الجميل في المسرح حتى النهاية، لا يزال لديهما بالتأكيد الكثير. فهل يعودان؟