العمر هو رحلة تستمر طويلاً، أو تكون قصيرة أو قصيرة جداً أحياناً، حيث يبقى الاسم والآثار الإنسانية راسخة في ذاكرة المعاشرين، أو يتبخر ولا يعود مع ذري الريح، على رمال السنين، أي ملمح لا للاسم ولا للأثر الإنساني.
لكن كيف نمضي في تلك الرحلة وإلى أين يجب أن نصل؟
في الحياة حيث كل شيء جائز وكل شيء يجرب، وأشياء يمكن أن تخلق الاختلاف في أرواحنا عن السائد والمكرر في النفس والروح، وأشياء أخرى يمكنها أن تجعلنا نكرر نماذج كثيرة، لنشبه كل شيء مر، وكل شيء قد تم توقعه.
فالرحلة القصيرة، ربما تقصر بأسباب خارجية، تجبر المرتحل في الحياة أن يتوقف عن حث خطاه ويغادر، أو بأسباب ذاتية يحطم فيها المرتحل كل قوانين الوجود بجهل أو بإدراك ليؤذي النفس كثيراً إلى  حد الموت.
وفي الرحلة الطويلة، حيث يمر الكثيرون في متغيرات ومحطات العمر، تكون فيها الرحلة إما سير سلاحف تمر على كل شيء، ترى ولكنها لا تبصر، تتحدث ولكنها لا تفقه، تمشي ولكنها لا تتحرك، سلاحف تسير، ولكنها لا تصل إلا إلى خط النهاية المحتوم للبشر والحيوان والنبات.
وإما تكون الرحلة كإشراقة الصباح، كنغمات الناي وهدير المطر، حفيف الشجر، كهواء الربيع وبرد الشتاء، كفرح الأطفال وابتسامة العجائز، وبريق عيون الأطفال.
رحلة في درب طويل، قاسٍ أحياناً، ومبهج أحياناً أخرى، رحلة تسمو فيها الروح في كل مرحلة من مراحلها، وتطبب النفس وتغسل من الدنس، تتطهر من الشوائب من الكراهية والحقد والغل، ترتقي على الألم والجرح وحتى الإساءة، رحلة نتعلم فيها أن نحب، أن نصفح ونتجاوز، حتى نصل في هذه الرحلة إلى تلك اللحظة لحظة الشعور العميق بالرضى، الشعور الصافي بنقاء القلب، والقدرة على المغفرة، حيث هنا وفي هذه المحطة من محطات الرحلة، نكون قد بلغنا ذلك الباب الذي سيفتح على المعنى العميق للحياة والوجود، يُفتح للأرواح التي تحلق عالياً، عالياً وإلى الأبد.