عين على سنوات مضت، ولم يزخرف المطر جبل حفيت بشجيرات ذات قامة جميلة، أو بماء يبلل ريقه، وينساب من خرير جوفه، ينفض عنه الأرق، يمده بحضور الناس يفدون إليه ويمضي إليهم، جبل لا يغمض عينه، وأوتاد الأغصان تغرس بغابات تلفه من كل صوب وحدب، وواحات النخل تناجيه زهواً، وتكتب الحشائش على وهن وبهدوء، وقد تنبت على حافة الصخر، فماذا لو امتدت مروجها ودثرت قمة الجبل؟ ماذا لو طهر الماء قلب الجبل، وفرك حافته الصخرية، لتبدو لها بهاء الناظر، ليسكنها الود والورد والياسمين، لتستفيض برائحة بكرها السنوات والعيون تتقاسم المدينة الخضراء، بصوت الناي ليعزف بين الأفلاج، وبين ظلال النخيل، وسحبها قد أيقنت بأن السماء وكلتها، بأن لا تمر مرور الكرام، حتى تنفض ما في جعبتها من مطيرات شغفة بلطف، تغزل المدينة بالعشق وبالسحر، وتمتزج أحياناً وديانها بالمدارات الجميلة، لتزف المدينة زفاف المطر، وكأنها تقص أثر التائهين في الصحراء لتمحو آلامهم المرتقبة.
عين على المساءات الجميلة يا جبل، منذ كان للطيبين مقام، ألفت الوجوه ولم تنسها أبداً، ولم تحرف العهد الجميل، بل نسجت الحروف كي لا تسقط حباتها، بل زخرفت الوجود بالعهود فحانت الفكرة الخضراء، أن تنسج لك الفصول والمواعيد المطلة من شرفة نافذتك العالية، فماذا لو أنشد لك الشعراء فيضاً من أشعارهم، أو رسم لوحته الرسام، وامتدت قافلة المساحات الخضراء تعلو بين الحدائق وسمات التاريخ تخط لك في دفتر الأيام شرنقة المجد وفضاء الحب.
عين على وجوه، لا تزال تنبض في أرواحها رغم الغياب، ومرت سنوات سماتهم المنصهرة بالحياة، مرت من هنا تاركة أثراً لها على عتبات البيوت القديمة، ولا تزال أسواقهم القديمة تعاني الغياب، ولكنها ما زالت في سكونها ومشهد صمتها قريبة من الحياة، ماذا لو تركناها تنبض من جديد، حذاء الجبل كقرية صغيرة بجماليتها الكبيرة، وبأشجارها الوارفة، وبصحوها الزمني وبمشاهد قل ما نراها إلا بالمناسبات التراثية، وقد أثمر الحفاظ عليها بيانع الأحداث الجميلة من تاريخ يتأهب كونياً.
عين على جبل ينتظر يداً تهندسه بجمالية السحر وتهبه جمال الطبيعة، يداً تزيل عنه غبار الصحراء، ليبدو من بعيد قامة خضراء بهية، تسر الناظرين، وتشد إليه رحال القادمين من أقطار البلدان، للسياحة ورحال المحبين للذاكرة الشغوفة بالحياة والمكان والفصول الشتوية المذهبة بالمطر والغيوم، عين على إنباته وإعادة بريق سندس البيئة الخضراء إليه كما كان يرتفع بشجيراته وغصون الود بالسماء، عين على جمالية تسكنه وتزفه براقاً مكتمل اللون والحكاية الثقافية في سجل المدينة الرائعة.