نشأت ذاكرتنا وذكرياتنا على مشاهد تخيلناها من الخراريف التي كانوا يسردوها علينا وقت النوم ولاحقاً عندما صقلت دروس محو الأمية مقدرتهم على القراءة صاروا يسردون قصص الأنبياء ومعجزاتهم التي رسخت الإيمان وعمقت فهمنا لواقعٍ لم نعرفه ولكننا بكل يقين نتفهم ظروفه ونتعايش مع تفاصيله بثباتٍ وعزيمة وإندماج.
وأذكر جيداً من تلك القصص قصة سيدنا يوسف مع إخوته وفرعون مصر وقصة نبينا سليمان مع الهدهد وملكة سبأ راعية مأرب.
كانت والدتي - رحمها الله- تُحب هاتين القصتين بشدة لذا كانت تذيب لحظات النعاس في حكمٍ نفهمها الآن فسيدنا يوسف صفح عن إخوته وذاق غربة فراق أهله وتحديه لِـمَحْلِ الأرض وسنوات القحط والهلاك ففاز بتسامحه وحكمته وجماله.
نفهم ذلك جيداً عندما ننظر حولنا الآن فنجد حوارات الأخوة بعد غياب الرعيل الأول يدور حول الميراث ولا تخلو تلك المحادثات من وجود محامٍ، وقاض، وحُكم ينفذ.
أما قصة سليمان -عليه السلام- فهي عميقة إذ حاور النمل، والطير والجن وكسب الإيمان الحقيقي في نهاية الأمر بالحكمة لا بإراقة الدماء. وبقيت أفرح وأستبشر عندما أرى الهدهد فهو من قال لسليمان، عليه السلام «وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ». 
كنا في طفولتنا نعرف أمواج البحر ورمال الصحراء وحجارة الجبال وعندما ننظر إلى السماء تلاحقنا النجوم، ويبتسم لنا القمر وكأنه يعرفنا وقد يرسل معنا لأهلنا سلاماً فنرد عليه «سلامٍ يبلغ ويعود». نعم، كنا بسطاء أنقياء لا نفكر إلا في سعادة الآخرين، وأن الواحد منا عليه أن يكون «كفو.. وهاب ريح» فيرفع رأس أهله في الفريج وعند الرب والعرب.
ومرت السنون وكبرنا وكبر معنا وطنٌ أسسه الشيخ زايد- طيب الله ثراه- الذي نظر بعيداً ورسم خريطة طريق دربها طلب العلا والسير بين الكواكب والنجوم كقول أبوالطيب المتنبي «إذا غامَـرتَ في شَـرَفٍ مًـرومٍ.. فَلا تَـقنَع بِما دونَ النُـجومِ.. فَطَعمُ المَوتِ في أمرِ صَغيرٍ.. كَطَعمِ الموتِ في أمرٍ عَظِيمٍ.. وَكُلُّ شَـجاعَةٍ في المَـرءِ تُغني.. وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ».
وللعارفين أقول، في زاويةِ منيرة تحولت صور الماضي وأطيافه من ذهن طفلة نالت منها شمس القايلة فحرقتها الرمضاء حتى بكت ذاكرتها حباً للوطن وقيادته التي تسكن في قاع قلوبنا. بفضل الله وجهودهم أصبح الفضاء الرحب سقفاً لطموحاتنا وقد أثبتت تجارب ونماذج كوكب الإمارات أن استشراف الشيخ زايد -طيب الله ثراه- للمستقبل بدأت بصناعة الإنسان الإماراتي الذي سيعيد رسم التاريخ وتخطيط شوارع المريخ.