جمالية الحراك الثقافي والأدبي، يحتم في نهجه صناعة الثقافة الرصينة وأثرها في المجتمع، ويجسد روح فصائلها ورؤاها الفكرية، ولكن ما قبل سنوات ليست بعيدة، بدأت تظهر علناً صالونات أدبية هنا وهناك، واستفحلت المنابر حالياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي من دون استناد إلى هوية تذكر، سوى أنها تتصف بصفات ثقافية أحياناً، ومبهمة أحياناً، ويروج لها بخداع نشط يفوق الوصف، حالات مبهرجة تفاجأ بها المكون الثقافي، إذ إن الصالونات الأدبية التاريخية كان خلفها قامات أدبية لم تتكرر، وكانت قادرة على قراءة المشهد الثقافي والتفاعل معه وبمخرجاته المختلفة، كانت قامات ثقافية، يتوق لها ولحضورها كتاب وأدباء لهم مكانتهم وصيتهم في الحياة الثقافية، ولسبب أو لآخر لم يبادر أحد من الكتاب الكبار المعاصرين لإعادة التجربة في زمن الفضاء التكنولوجي الرحب.
فالثقافة لم تكن يوماً ما هشة حتى يتجرأ عليها من لا صفة إبداعية له، ولم تكن مستسلمة وخافتة لتنتهجها أسماء تبحث عن صيت لها، وتلحق الصفة العالمية لصالوناتها ومراكزها وتبهرجها وهي صالونات عقيمة، وذات نزعات فارغة، لا مدارس أدبية لها، ولا قيم ثقافية يستوحى منها ولا قامات ثقافية تبصر لها، سوى الواهمة بأسمائها والعابثة بالمحتوى الفكري للثقافة.
وبدأت هذه الصالونات والمراكز اللامعة والعشوائية تتضخم وتختلج لنفسها المكانة والشهرة، فمن أكسبها الحق أن تعلو، وتأخذ ما لا حق لها فيه، وتربك المشروع الثقافي المتزن في أصوله وتاريخه، والذي يتوق نحو الإشراقات الثقافية، ويهدف لثقافة المجتمع، محاطاً بقيمه الفكرية والإبداعية، ومنها يحصد المبدع الحق ثمرات عطائه سواء بالنقد الرصين أو بعرض إصداراته، من خلال المنابر الثقافية معتمدة الاختصاص والإثراء. ولأن هذه الصالونات بعيدة عن الثقافة الحرة، وبعيدة عن الإبداع ومنهاجياته الفكرية، تراها تؤثر أن تنتصر لبني جنسها ولكتاباتهم، وتعمق فكرة الخصوصية، وهي ادعاءات غير متوهجة، ولا تفضي إلا إلى الملكية الخاصة، إنها حتمية ضيقة لا تنتمي إلى الثقافة الحرة ومدلولها الكبير في المجتمعات الناضجة فكرياً.
وهذه الانعطافات على الثقافة ومدلولاتها المختلفة، تصبح مجردة ولست ذات قيمة لو لا انجرار بعض الكتاب والأدباء بحثاً عن المزيد من الشهرة أو الانتشار، ورغبة في ألق الحضور وهوس الشهادات المبلورة بالإطارات المذهبة، التي تمجد الصالونات والمراكز الواهمة والمعدمة من روح الإبداع الجميل.
الثقافة الحق برؤاها المختلفة وهيئتاها المنتظمة، تجسد المشهد الثقافي الحقيقي ذا الجمالية الفكرية، وتثري حراكها، وهي حكر على المبدع في قيادة حالة التنوير الثقافي المجتمعي، فلا سواه يرتقي ويبصر هذه الحقيقة.