لا أدري هل الخطّابات أو الخاطبات أو الموفقات رأسين في الحلال لديهن ترخيص بممارسة هذه المهنة التي هي بينها وبين المهنة القديمة خيط رفيع، مثلما يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر؟ أم هي مواقع إلكترونية، لا تعرف أيها منها الحلال، وأيها منها الحرام؟ وهل الخاطبات أو الخطّابات الرقميات الآن تقتصر على بعض النساء كعادة قديمة ومرتبطة بفئة منهن، أم أن الأمر وصل لجنس الرجال، خاصة أولئك الذين ينشدون الخير والإحسان والأجر والثواب؟ لأن بعض المواقع تعلنها صراحة: نريد منك 5 آلاف درهم ربط كلام، و10 آلاف درهم إذا ما تمت «الملجة»، ولا ندري هل يتم أخذ مثل هذه المبالغ من الطرفين، لأن المبدأ العام يقول: يدفع من كان طالب القرب، وفي حالتنا هذه الطرفان طالبان القرب، لكن هناك مواقع أخرى لا تطلب منك أي شيء محدد، أنت وكرمك وتقديرك، وجزاء معروف لمن خدمك، ودَلّك على بنت الحلال، غير أن مواقع أهل الخير، يقولونها صراحة لا نقبل أي دفعات مالية نظير ما نعمل من خير، فهدفنا المثوبة وأجر الآخرة، وتشجيع المسلمين والمسلمات على الإنجاب، والمباهاة بهم بين الأمم، غير سؤال هل لدى مثل هذه المواقع تراخيص بمزاولة المهنة أم هي سبيل؟ هناك سؤال يختص بنوعية مثل هذا الزواج، بعضه العلني وبعضه السري وبعضه المسيار، والبعض الآخر العصمة تكون في يد المرأة، مثل هذه المواقع دون أي رقابة يمكن أن تصبح سوقاً رقمياً كبيراً للراغبين والراغبات، والمتمنعين والمتمنعات، ولكل منطقة خطّابة، ولكل دولة من دول مجلس التعاون أكثر من واحدة، وهناك خطّابات بلا حدود، وخطّابات عابرات القارات، الزين أن إعلانات مواقع «زواج. Com» كلها متشابهة، ومغرية، وأمورها سهلة وميسرة، وكل طالبات القرب جميلات، والبشرة بيضاء صافية، وأن شكل زوجة المستقبل أصغر من عمرها دائماً، كما يقول الإعلان، وأنها تحب الرجل المستقيم، العطوف، ومقيم الصلاة، ويقدس الحياة الزوجية، وميسور الحال، الشيء الوحيد الذي لا يشكل عائقاً تجاهها أنه «لا مانع إن سبق له الزواج»، هذه المواقع الرقمية بحر كبير، غير أن أجمل ما فيه التعليقات الفكهة، بحيث لا تستطيع أن تميز الصدق من الكذب فيها، ولا تشك أن فيها كثيراً من النصابين والمحتالين، ومحبي الأرامل والثكالى والحزانى، وأناساً متخصصين في أمهات اليتامى إن كن ذوات مال وجاه.
«زواج. Com» لابد وأن أحداً ينبش تحت تلك المواقع، لأنها تكاد أن تتشابه الأمور فيها بين هذا حلال، وهذا حرام، وهذا يصلح للمجتمعات أو ينافي أخلاقها، مشكلتنا أننا نترك الأمور تتسع وتتوسع، بعدها يصعب إصلاحها أو تقويمها، شكراً لكل الخطّابات اللائي رشحن أمثالي من المتقاعدين لطالبات القرب، غير أنا بصراحة، ولكي يرفضن طلبنا منذ البداية أننا وأمثالنا لا نقدس الحياة الزوجية!