للغراب قدرات ذهنية كبيرة، وقد قدمه الله تعالى كمعلم للإنسان منذ بداية الخلق مع أبناء آدم، ومازال العلماء في حيرة بشأن ملكات الغراب هذه، البعض أوعزها إلى حجم دماغه الكبير نسبة إلى جسمه -حسب العلماء- إذ مكنه هذا الدماغ من امتلاك قدرات تتيح له استخدام الأدوات وحل المعضلات الذهنية التي تعتمد على خطوات مركبة، كما أنه قادر عبر صوته على نقل المعلومات، غير أن الأكثر غرابة من كل ذلك، هو استمراره منذ بداية الخلق في منح الدروس للبشر.
 في «فيلم» شاهدته مؤخراً، منقول عن قصة حقيقية، بعنوان «Penguin Bloom»، يحكي معاناة امرأة ثلاثينية مفعمة بالحياة، تعرضت لحادث سقوط نتج عنه شلل منعها من الشعور بنصف جسدها السفلي، وبين تداعيات ذلك على الأسرة وألم الأطفال وبين محاولات الزوج لتدبر الأمر، يرصد الفيلم معاناة الأم القاسية ويأسها الكامل من كل شيء والحياة برمتها.
 وفي لقطة شديدة الحساسية والخصوصية، تعلن الأم «سام» ذلك، مؤكدة أن ما تعانيه لا يمكن أن يساعدها فيه أحد.. لا زوجها ولا حتى أبناؤها الثلاثة، ليظهر في المشهد طائر صغير تبين أنه «أنثى غراب»، كان قد تبناه ابنها «نوا» بعد أن وجده عند الشاطئ فرخاً صغيراً يبدو أنه سقط من عشه.
 تدور أحداث هذا الفيلم، فيما بعد بين «سام» والغراب «بينجوين» الذي أظهر ذكاء في تعامله مع الأدوات والأشياء من حوله، وكذلك لفت انتباه سام إليه بحركاته وحنانه البالغ أثناء وحدتها في منزلها وغياب أبنائها، كان يعاني الغراب عدم القدرة على الطيران، وكذلك لم تتمكن «سام» من الحركة إلا عبر مقعدها المتحرك وبمساعدة زوجها، كما عاش الغراب الصغير بعيداً عن أمه وبيئته، وكذلك كانت سام بعيدة عن أنشطتها المعهودة وإنجازاتها بسبب عجزها، غير أن الغراب بقي مفعماً بالحياة والطاقة، غير قابل للانتكاسة، ولذلك وفي منتصف الفيلم فاجأنا بتحليقه وللمرة الأولى بعد أن كان عاجزاً عن الطيران تماماً أمام عائلة «بلوم»، فيما كانت «سام» على كرسيها شاهدة على ما يمكن أن يحدثه طائر صغير من فرحة في عائلتها، لتتحول حياتها بعد ذلك إلى انطلاقة مختلفة في النصف الثاني من الفيلم.