ملأتنا مشاعر الاعتزاز بنهجنا حينما سمعنا اسم الإمارات يتردّد بقوّة في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة ومحطات التلفزة، مؤخراً، مع زيارة البابا فرنسيس للعراق، والتي رآها العالم كلُّه درباً جديداً لـ«الأخوة الإنسانية»، التي كتبت وثيقتها الخالدة هنا في أبوظبي.
تعززت هذه المشاعر أكثر عند صلاة البابا على مقربة من كنيسة الطاهرة، وغيرَ بعيدٍ من مسجد النوري، اللذين تتولى الإمارات مسؤولية ترميمهما ضمن مشروع لإعادة بناء وترميم المعالم التاريخية في الموصل، التي تعرضت لأبشع جرائم الكراهية والتخريب على يد الإرهاب.
وبينما جلس المصلّون على مقاعدَ خشبيةٍ وسط الرّكام، شاهد الجميعُ إرادتين، الأولى: كانت إرادة الهدم والكراهية وقد انهزمت بعد أن خلّفت وراءها كل هذه الأطلال، والأخرى: إرادة الحياة والأخوّة، التي تساعد بلادنا في بنائها هناك، فيما أعلنها «الحبر الأعظم» مدويّة: «الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب».
كان المشهد مهيباً، حيث تجلّت القوة الحقيقية للإنسانية في مواجهة الكراهية والقتل والإرهاب الذي لم يفرق بين المسجد والكنيسة وراح يثير الاحتقان الطائفي والشروخ الاجتماعية على نحو مؤسف.
وعلى قدر الهيبة، كانت سعادتنا بتسارع الخطى نحو نشر وتطبيق مبادئ «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي تعد صفحة مشرقة في التاريخ المعاصر، والتي شاركت قيادة الإمارات بوعيها وحكمتها في كتابتها، لتخرج من الإمارات للعالم متّسقة مع السياق التاريخي والإرث الثري لبلادنا المحبّة للسلام والتعايش.
في الموازاة، كان التفاؤل بعودة العراق إلى مكانته وأهميته التاريخية، مدفوعاً بتنوّعه الذي امتاز به، ونسيجه الاجتماعي القوي الذي تربطه جسور التفاهم والتقارب بعيداً عن أي تمييز عرقي أو ديني أو طائفي أو فكري أو سياسي، مع التأكيد على مبدأ المواطنة كأساس للحقوق والواجبات.
ستعود مئذنة مسجد النوري لمعانقة منارة كنيسة الطاهرة من جديد، وتتسع في ظلّهما دروب الأخوة، وستطويان صفحات التاريخ الباهتة، وتفتحان معاً كتاب المستقبل، وسيكون التسامح سطرَه الأول.