هل مررتم بتلك التجربة؟ التي يتم فيها توزيع أكياس مغلقة على أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثلاث سنوات، فتجد كل طفل وقد انشغل بما في كيس الطفل الآخر أكثر من انشغاله بما لديه! بالتأكيد حدث ذلك، فهذا ما يحدث غالباً، والحقيقة أن هذا السيناريو المكتوب منذ زمن طويل جداً، يبدو غريباً ومفاجئاً، على الرغم من كونه حقيقة نشاهدها كل يوم ونتغاضى عنها ضمنياً، رغم كونه أكثر آفات البشر ضرراً!.
 بحثت عن مفردة أخرى لاستخدامها للتعبير عن هذا السلوك، فلم أجد غير كلمة الطمع، التي تستبدل -تهذباً- بكلمتي حب التملك، بينما فعلياً ما يحدث هو طمع الإنسان في امتلاك أكثر مما يملك!.
 الطمع سلوك قميء جداً يشعل كل ما أمامه، غير أن الجشع أشد سواداً، وخصوصاً أن المفردة الأخيرة عادة ما يصاحبها سلوك عدواني يمارسه الإنسان ليحصل فيه على ما يطمع به، وعادة ما يكون هذا السلوك غير مشروع، كالنصب والسرقة أو القتل في أحيان ما، عندما يكون المال -بالأخص- محل الطمع، إذ إن هناك غايات أخرى للطمع، كأن يرغب الإنسان بشدة في مكانة أو سلطة ما على سبيل المثال.
 تقول امرأة حصلت على إرث ضخم فجأة، -وقد حاول أحدهم تحذيرها من ردات فعل زوجها-: لا يمكنني أن أصدق ولو للحظة أن هناك قاتلاً.. أو حتى لصاً.. بل وحتى كاذب يختبئ داخل زوجي.. إن توقعها منطقي جداً المبني على قراءة سلوك رجل عاشت معه ما يزيد على العقدين وتعرف تماماً ما يحب وما يرغب، غير أنها لم تختبر سلوك هذا الرجل إطلاقاً عندما يتوافر أمامه مال بهذا القدر الذي حصلت عليه، وهو حال مختلف تماماً حتى زوجها لا يعرفها في نفسه!.
في دواخلنا سمات قد تدفعنا لارتكاب سلوكيات غريبة لم نعهدها، لو أن أحداً قد أخبرنا بها مسبقاً لاتهمناه بالجهل، فمن أعلم منّا بأنفسنا، غير أن الواقع أن حقيقتنا مرتبطة أساساً بالمؤثرات التي نتعرض لها، لا بتوقعاتنا عنها، ولذا عندما علم الزوج بوجود هذا المال لدى زوجته، لم يتردد للحظة في سلبها إياه عن طريق النصب والاحتيال، رغم أنه رجل عاش نزيهاً.. ولعله كان سيبقى كذلك، لولا لعاب الطمع الذي سال منه، فحرك فيه تلك الغريزة.