هذا الجميل الرائع في تحليقه في الفضاء، هذا المثير للشجون في ترحاله وتحليقه بعيداً حتى يكاد يلامس السحب، هذا البديع الذي يزين الحياة بزغاريده ونشيده ويضفي على الحياة شيئاً من روعة الطبيعة، والمكمل لزينة الوقت وتنوع المخلوقات فيها بين خضرة وماء ومخلوقات أخرى.
هذه الطيور الجميلة التي يحبها الجميع ويتفاءل بها الكثير، تضفي البهجة حتى وإن كانت حبيسة قفص. هذا المخلوق الجميل جزء من روعة الحياة وتوازنها، نراها مثل زهور البساتين التي تزيد جمال الاخضرار، دائماً لطيفة ومسالمة، ومنذ أن هبط آدم إلى الأرض وهو في علاقة لم تنقطع مع الطيور، أخذ منها دروسا أفادته في حياته، هذه الطيور هي المعلم الأول للإنسان، حتى في ظل التقدم الكبير للبشرية، لا تزال الطيور خانة مهمة في الحياة المتوازنة بين المخلوقات.
البعض لا صديق ولا حبيب لديه غير طائر يصبح على صوته وينام على رفات جناحاه، يختلف نوع الطيور التي يحبها البعض، ولكنها جميعاً من لحم وريش من الطيور الجارحة، الصقور والنسور والحداة والبومة وغيرها، وبعضها طيور تتمتع بأصوات جميلة أو بأخرى تحاكي ما تم تعليمها إياه من كلمات وجمل مثل الببغاوات، ويمتد هذا الحب إلى طيور الزينة، حتى في وسائل التسلية حجزت طيور من الصقور إلى الحمام مكاناً لها، ولا عجب إن دفع البعض مبالغ كبيرة من أجل طائر. إنه حب طائر يعلمنا أن التحليق إلى الفضاء المتحرر من كل قيد، هو الأهم والدرس الذي علينا السعي إلى بلوغه، حلق بعيداً لتنعم بحرية أن يكون قرارك في رأسك وجناحيك، عانق السحب والنجوم والمطر، كن طائراً لا يعرف غير التحليق إلى حيث يحب.
ولكن في عالم الطيور ألا يوجد صراع مشابه لبعض الذي نشاهده في هذه الحياة المليئة بالحروب من أجل فرض السيطرة والهيمنة على الآخر؟ ألا يوجد صراع من أجل انتزاع لقمة من فم آخر؟ ألا يوجد تخريب لعش تعيش فيه الفراخ الصغيرة بأمان؟ ألا يوجد اعتداء على بيض طائر آخر بلا وجه حق؟ ألا يوجد طائر ينهش لحم آخر؟
بالأمس كنت أسير على الشاطئ، تجمعات من طيور النورس تحط في أماكن كثيرة على امتداد البحر، كلها بيضاء وجميلة، ولكن على حافة هذه التجمعات تحط أيضاً غربان تتبع تجمعات النوارس، فجأة يغوص طائر نورس ويلتقط سمكة سردين/‏‏‏ عومة ويحلق عالياً، وتحلق خلفه بعض الطيور وغراب، تعود طيور النوارس إلى تجمعاتها، وحده الغراب يظل يطارد النورس بإصرار يذهب خلفه شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لا يتركه أبداً حتى عندما صعد النورس إلى الفضاء، ظل الغراب يطارده بعدوانية عجيبة، يصرخ النورس بأصوات عالية والغراب خلفه ينقره وينتف ريشه، ولكن النورس لا يفلت السمكة من فمه، مر زمن طويل بين هروب النورس ومطاردة الغراب، ذهب بعيداً في السماء والغراب مصر على انتزاع السمكة منه، صراع يؤكد أن الغربان متشابهة، سواء من الطيور أو البشر، فقط انظر إلى الشمال.