هل بالفعل هناك من لا يحزن؟ بمعنى أن مشاعر الحزن التي تزورنا لسبب أو من دون سبب لا تمر عليه؟ طبعاً من السذاجة طرح هذا السؤال، غير أن بعضهم فعلاً يطرحه، بل ويعتقد أن هناك نفوساً محصنة ضد الحزن، بل ودائماً فرحة سعيدة تملؤها البهجة!
 عادة ما يعتقد الأصغر سناً ذلك، وهذا طبيعي فالصغار لم يختبروا الحياة بعد، أما ما هو غير طبيعي عندما يكون لدى بعض الكبار هذا التصور والقناعة بأن هناك من هم سعداء دوماً لا يعرفون الحزن ولا يدركون ألمه!
 للأسف، قد يكون أصحاب هذا الوهم هم الأكثر عرضة لتداعيات الحزن وأثره، كونهم لا يدركون حقيقة تقلبات الأيام وتغيرها المستمر فيما تفرضه علينا من أحداث متناقضة، ولهذا يسقط عليهم الحزن شديداً وطويلاً كحال أبدي لا نهاية له.
 الحزن من أكثر المشاعر الإنسانية غير القابلة للقياس الخارجي، كالفرح والغضب، كون الأخيرتين مشاعر تقتضي من أصحابها حركة، أما الحزن فلا، ويصعب قراءته إلا بالقرب الشديد. 
 وحده الحزن دون غيره دائماً ما يكون هناك فائض وفير منه، لا يحتاج الأمر الكثير من الوقت لكي تستنهضه من مكانه، في شاشات التلفزيون وفي المطارات والمستشفيات، وفي نفوسنا التي مهما بدت سعيدة ضاحكة فهناك دائماً نقاط حساسة سريعة التفاعل لاستنهاض الحزن، نقاط ورثناها من آلاف السنين، غير قابلة للعطب، بل على العكس، تزداد صلابة مع الزمن بل وقابلة للتوريث·
 يقول بعضهم: إن الحزن في الصغر يكون سائحاً، ومع تقدم العمر يبني قصوره ويحصل على شرعية أبدية..­ قلة منا ترفض هذا الاستعمار وتعلن ثورتها الخاصة على كل بُنى الحزن في داخلها فتقتلعها وتزرع مكانها براعم للأمل، تسقيها بأفراح كانت، وأخرى على أمل أن تأتي·
 وهناك نفوس تصلح لاستعمار الحزن وتقدم له شرعية البقاء من دون أي مقاومة أو مطالب، بل تدخل معه في اتفاقيات ربط مصالح طويلة الأجل لضمان بقائه، وهناك نفوس لا تستسلم، بل تقاوم، ولكن مقاومتها ضعيفة، فينتصر الحزن ويرفع علمه بزهو فيها، وهناك نفوس لا تقبله إطلاقاً، بل على العكس تحاربه بشراسة وبكل الأسلحة، وترفضه حتى لو كان سائحاً.