حين ترتد إلى طفولتك الأولى، لا تجد أجمل من صور نقشها الزمن، وفي ذاكرتك قصص قرأتها، وسكنت ألوانها الذات أو رمزت إلى حياتك اليومية البسيطة، ترتد إليها بشغف الحنين وعبق المكان وروح الزمان، ورؤية الكون من جديد، هذا الألق الرحب، لا تزال قصة الطائر الخرافي تحاور فطرتك الأولى، وأنت تستقي منها جمالية القص في حبس الأنفاس، حتى نهاية وكر الطائر، تبدو حافلة ومختلفة، فمنها الطائر الجميل، والطائر الحزين، قصص لا تزال تحلق بأفكارك عالياً، تستشرف على هدوء الحياة، وجمالها وصحو صباحها، كما لم يغلب أسرارها الزمن، كما لو يحتفظ الطائر لنفسه بمقطوعة موسيقية، يتفرد بنغمها متى يشاء، يعيدها إلى ذاكرته، كلما تشوق إلى التحليق بعيداً عن ذاته وما حولها من تصاريف الزمن.
كلما تعمقت الفكرة تجلت الرؤية في الابتكار والمثابرة نحو فصول ومسارات حياتية ذات غموض رغم لحنها الشفيف أحياناً، لست مصادفة أن تقرأ قصص البحث عن الخلود أمام هول ما يحدث من غربة تشتد قسوة وانصهار لروح الحياة وشتاتها، قصص البراءة الأولى تحد على صحو الحب دون وباء ولا داء ولا دواء، ترمي قطوف الورد أو كما تهدي حلقات الياسمين في طور الحياة المجهولة.
في مخيلة الذاكرة تتداعى الرؤى حتى تلامس ما أوردت الكتب من قصص وحكايات وأسفار، وكأن الكلمات تورق وتزهر ضمن الوقت والحروف تتسلق مبتغاها بمتعة في صفاء الأرواح فلا تخرج من لب الألحان، رغم المسافات الزمنية وتأصلها في الوجود، إلا الفكرة لا تضمر حتى تضمن حرية البقاء، فهكذا هي المكتبات تبيع عطرها الخرافي على عتبات أبواب المعرفة لتصون حق الحياة، وتبجيلاً لمكانة العلم في حياة الشعوب وذاكرتها الثقافية وتجليات القراءة الأولى رغم بساطة المعنى إلا أنها تعني الكثير والجميل وتورد في الذاكرة عبقاً لا ينسى.
أمام عدسة عين الطائر الخرافي الجميل، تقترب الفكرة من الذاكرة، صورة شروق الشمس، تبدأ تلامس إشعاعات النور، تياراً روحياً يسرى في فيض الجسد، وينحو بعيداً يتوغل فلا تتوارى الروح عن قدسية العبادة ونبع الطهارة لتحي الأجساد الشاحبة من عقوق الدهر ورياء الخوف الطفولي في بيئة طبيعتها التشظي والانتظار، لكن وحياً يمنحك الاطمئنان على طفولتك التي منحتها للقراءة وأنفاسك على أبواب الاستغفار ونوافذ الخشوع لتمحو شائبات الدهر منك حتى حين غرد الطائر الجميل في ذاكرتك، جاء صوته ليمنحك زفاف الأيام الجميلة ليمر نور القراءة في هالة من التجدد الفطري، وابتسامة تغسل أدران الفراغات الزائفة، وتكتب لك يوماً جميلاً يهبك البحث من جديد والتطلع من زوايا مختلفة.