بكل الحب الصوفي، والصفا الوجداني، نستقبل رمضان كل عام، يأتي مثل سحابة من نور أو ظل من حرور، يعطي ليومنا طابعاً خاصاً به، وطقساً لا يعبر إلا عن نفسه، نسيّر كل ساعاتنا وتوقيتاتنا على أول هلاله، وآخر قمره، على أول خيط أبيض يتبين من آخر خيط أسود من فجره، ليالينا من مسكه، وعطره، وبركات سحره، كان أول ما أتى في رمضاء رملنا، فألصق العرب به التسمية، وتسموا به، واشتقوا من صيامه وقيامه أسماء للأولاد والأحفاد، فيه يتسامون ويتحابون ويتسامحون، وحين جاء الإسلام أعطاه منزلة مباركة، انزل فيه الفرقان، وأجزل فيه العطاء وأثقل الميزان، علا من دعاء لياليه، وأفرده بالليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر، حث الناس فيه على التواصل والتراحم، حتى إن بعضهم يكون أكثر كرماً من الريح المرسلة، تشبهاً برسول المحبة.
ولأنه شهر غير عادي، فقد ارتأيت أن يكون «العمود الثامن»، وعمود كل يوم من أيامه، مختلفاً ومغايراً عن الأيام الأخرى، لأن حظ الصحف في رمضان، مثل حظ «عيدة وسعيدة»، فأهلاً بالتلفزيون ومسلسلاته الدسمة، المكتظة والتي يتسابق عليها الجميع، لذا وجرياً على العادة في كل رمضان، سأقدم لكم من قراءات سابقة، وما تحفظ الصدور، ومن خزينة مكتبتي، ما أرى أنه يحمل فكرة وفائدة، ودليلاً على شيء عميق في الحياة، سيكون العمود أقرب إلى فن المقالة، لا يحمل فكرة واحدة، بل فيه التنوع، وإشارات لأشياء قد تستدلون عليها بأنفسكم، وتبحثون عنها بمفردكم، سيكون بمثابة «مقابسات» على رأي مولانا «أبو حيّان التوحيدي»، فيها: رحلة في الحروف، كل يوم نسبح مع فكرة مقتضبة، وهناك قول مأثور أو حكمة شعوب أو تجارب أمم، قد يكون هناك كتاب أثير على النفس، أو أن هناك شخصية لعبت دوراً جليلاً في تاريخ الإنسانية وحضارتها، وتركت بصماتها التي لا تُنسى، هناك أصل الأشياء، كيف جاءت كفكرة صغيرة، ثم كبرت مع الإنسان، وتطورت معه، ومع وسائله اليومية، قد تكون هناك فكرة كبيرة لأحداث يومية، لكنها مختصرة بكلمة ونصف، ستكون هناك اللغة، والمفردة العامية المنسية.
آمل أن تكون أعمدة رمضان التي ستحمل عنواناً واحداً هو «مقابسات رمضان»، حديقة تَعِد كل يوم بالشيء الجديد والمغاير والمفيد، هو اجتهاد آمل أن يحوز على رضاكم، ويسلي صيامكم، ويزيد من خزانة معلوماتكم، فإن أصبت فلا تشكروني، وإن أخطأت فسامحوني، وكل رمضان وأنتم بخير مقدماً، عسى الله أن يرزقكم من خيره، وفضل سماحته، ويزين بالنور أيامكم ولياليكم، ويجعلكم من عتقائه، ويكتب لكم أجر الصيام، وفضل القيام، والتدبر في قراءة القرآن، وثواب صلاة التهجد والناس نيام.