يبدو أن دروب علي آل سلوم واسعة إلى درجة أنها تجعلك تلهث وأنت تتابع هذا الشاب المبدع وهو يضع أمام المشاهد مائدة معلوماتية ثرية، وزاهية وغنية، بأسلوب شجي، ولغة بالغة النضج، ووسامة شديدة البهجة، ومنطق يطوف بك في تضاريس الوطن وكأنك تسير على جناح طائر له في النبوغ الجغرافي ما يلفت، وما يدهش، وما يبهر، وما يجعل العقل والقلب في اللحظة المباغتة يصيران جدول ماء في حقل من حقول النخل في بلادنا الحبيبة.
حقيقة نحن بحاجة ماسة إلى مثل هذه البرامج التي تتطرق بصدق وقوة إلى تاريخ الأرض وجغرافيا الفضاء الإماراتي، بمهارة شباب من هذا الوطن، لأنهم عندما ينهمكون في سرد الحكاية يكون للغة طعم «النبات» ومذاق اللوز، ولون الزهرة الصغيرة بين أغصان السدر.
مثل هذه البرامج تكرس في الوعي وجود الثمرات التي لا تذبل، وترسخ معنى العلاقة ما بين الجذر والأغصان، هي هكذا الحياة بحاجة إلى خيوط تربط بين أنسجتها، بحاجة إلى مراسي تحتضن مراكبها، بحاجة إلى سحابات تبلل شفاه أشجارها، بحاجة إلى موجات تحرك مياهها الآسنة، وتمشط جدائل السواحل فيها.

كل دروب علي آل سلوم كانت مزهرة، ولكن في هذا الرمضان الجميل، صارت أكثر بهاء، لأنها في الحقيقة أكثر قرباً إلى موانئ القلب، وأكثر حضوراً في الذاكرة، وأكثر تأثيراً في المشاعر، وأكثر ثراء في المعنى.
ولأن علي آل سلوم يمتلك من بريق الحضور، والابتسامة التي لا تطفئ قناديلها، فإن للبرنامج شيئاً من الأناقة الإعلامية التي تستحقها الإمارات، وقد تفوق فيها تلفزيون الإمارات كمعطى ثقافي، وله بصماته في تاريخ الحياة التي مرت، وقد لا يعلمها جيل بأكمله، لأن الإمارات مرت بقطار سريع، بل وأسرع من الصوت، الأمر الذي يحتم علينا أن لا ندع القطار السريع ينسينا بعض حقائبنا، لأنه ما من حياة تستمر إلا بوجود الماضي متأبطاً الحاضر، يسيران جنباً إلى جنب كأنهما قفازين ليدين في جسد واحد.
هذه برامج تظل هي الأثرى ثقافياً، وهي الأغنى معنوياً، وهي الأجدر بأن تكون حاضرة في كل زمان، لأن الزمان خيمة لا تضاء إلا بمصابيح التاريخ بأجنحة مروحته الثلاث، الماضي، والحاضر، والمستقبل.
جميل هذا التعاطي، والأجمل هو أن يقدم بطريقته العفوية ومن دون تكلف، وتزلف، أي كما هو بين شفتي علي آل سلوم.