في ليلة العيد تتوافد إلى الذهن مجموعة صور، ومشاهد وأحداث، أغلبها تحمل عطر طفولة غربت وتوارت، ولكنها تبث عبقها في الحياة كلما هَلَّ العيد بنغماته على ألسنة الصغار، الذين يفكرون بالعيدية أكثر من العيد، وكذلك النساء، هؤلاء الصنف من البشر، اللاتي يسيل لعابهن لمنظر الذهب، وهن الذهب بمعدنه، ومسكنه، وبريقه، النساء هن الأكثر شغفاً بالعيد لأنه يجلب لهن مشاعر ملطفة من الأزواج، ويغدق عليهن عواطف تهطل على قلوبهن كأنها الغيث الغزير، كل هذا يحدث لي في ليلة العيد، تحاصرني حزمة من وجوه ذهب، وأخرى اختبأت، وبعضها لم تزل تناوش القلب بهفهفات أرق من النسيم، ورفرفات أرهف من الحرير، إنهن الفراشات اللاتي لا زلن يحتفظن بأيام وأحلام وأنسام، هي تلك أيام العيد التي كانت تترنم بها أراجيح الصباحات، وكانت الجميلات هن من يردفن أجساد البراءة على حبال المودة، وهن من يروين قصص المشاعر المتوارية خلف جدران، وأوثان، تحميها رحمة الله وشفاعته من عين الحاسدين.
يأتي العيد ومعه تأتي شذرات من صور ووجوه، تلاحقها أجنحة الفؤاد كأنها الظلال التي تحفظ أشواق العصافير من لظى، ولهفة.
يأتي العيد وتتحول مشاعرنا إلى زقزقات الطير وهو يحضن فراخ أيامه، نتحول إلى كهنة في معابد الأشواق، نتحول إلى سعاة يدبون في الدروب الموحشة لعل وعسى تتفتح وردة على قمة سدرة قديمة، وتحمل معها رائحة ثوب قديم وعطر بعبق الليمون، وعرق بعبير الثمرات اليانعة ساعة لقاء بالصدفة، أو لحظة انتماء إلى حالة شعرية منغمسة في حبر الفقدان الأليم.
يأتي العيد ومعه يأتي دخان التنانير المشتعلة منذ الليل وحتى الصباح الباكر، يأتي ومعه صياح المرأة النبيلة وهي تحض صغيرتها على المشاركة بإخلاص، كي تكبر، وتنضج عبقريتها في صناعة «عيش لحم» العيد، لأنه من دونه لا طعم لصباح العيد ولا رائحة، ولا ذائقة، يأتي العيد وصغار تشهوا حضور الآباء، وكبار تلهفوا لغياب الأبناء، ولكن ابتسامة العيد تبقى أعرض من كل المشاعر وأعظمها، لأنه الشقشقة التي ينفرج عنها انبلاج وجود زهري اللون شفاف، كما هي عيون الغزلان، عريق كما هو تاريخ الحب في حياة الإنسان، فيروزي كما هو فستان امرأة حالمة بالفيروز.
يأتي العيد ونحن الجدول الذي يشق منه ماءه.