لو قيّض لك لسبب من الأسباب، أن ركبت سيارة أجرة، وعلى غرار الناس الأبرياء التفت بعفوية ناحية السائق الذي يجلس خلف المقود وبصورة متشنجة، وبوجه بلاستيكي متعجرف، ونظرات لا تخلو من العدمية، ولما تمعنت في هذا الوجه وحشتك الكمامة، والتي لا تصدق أنها ستفارق أي وجه تلتقيه، ولكن هذا السائق ربما من النوع الذي يستند إلى القدرية إلى أقصى درجات الغفلة، والتجاهل، وعلى الفور ساورتك الرغبة في طرح السؤال البديهي فقلت: «لمَ لم تضع الكمامة؟».
همهم وهو يلتفت ناحيتك وقال وهو يشير إلى حضنه: «هذه الكمامة، وقد نزعتها كي استريح قليلاً، وسوف أستعملها فور استنشاقي الهواء النقي، ولكني كنت على يقين أنه لن يفعلها، ولن يضع الكمامة، لأن بعض الأشخاص لديهم الذرائع والمبررات، ويستطيعون التهرب من المسؤولية، حتى وإن كان ما يفعلونه قد يؤدي إلى الإضرار بالآخر، لبثت أترقب مصير تلك القماشة الجامدة في حضن السائق، ولكنها لم تتحرك، فاضطررت سؤاله قائلاً: «متى ستضعها إن شاء الله؟».
التفت في هذه المرة ناحيتي، مبحلقاً بعينين أشبه بالجمرتين، وأجاب: «لم أنت مصر على لبسي الكمامة؟». ثم وهو يضغط على مخارج ألفاظه سدد حكمة تاريخية دوخت رأسي حين قال: «إذا الله ما يريد كورونا ما فيه. ليش أنت زعلان؟». حينها أيقنت أن الرجل يستدعي تراثاً إنسانياً بدأ في القرن الرابع عشر، عندما أطاح الطاعون الملايين من البشر، ولكن رجال الكنيسة آن ذاك اعتبروا المسألة عقاباً ربانياً للعصاة، ورفضوا الاجتهادات الطبية، وهذا ما ضاعف شراسة الداء، ويبدو أن هذا الأخ لكي يتخلص من تأنيب الضمير لعدم التزامه بالاحترازات الطبية، ترك الأمر إلى القضاء والقدر، دون أي اعتبار لدور الإنسان في حماية نفسه. والله قال: «ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة». كما أن ديننا يحض، ويحث على توخي الحذر من الوقوع في المهالك، ودعاً إلى العلم والمعرفة، وهو أساس الحياة، وقد نبغ في العالم الإسلامي رجال أفذاذ في مجال العلم والطب بالذات أمثال ابن سينا، وابن الهيثم، وغيرهما كثر، وهذا دليل بأن الاستهتار بالوقاية من الأمراض هو بحد ذاته تصرف ضد الدين، لأنه ضد الحياة، والدين هو دين دنيا، ودين آخرة، ولكن للأسف البعض لم يزل يغوص في بدائيته، فينتهك الوعي بمزيد من الجهالة.