حين قرأت رسالة اتحاد الكتاب الذي نظم أمسية شعرية في قاعة جمعة الفيروز برأس الخيمة، تدفقت الذكريات مسترجعة ذلك الشاعر الصديق جمعة الفيروز الذي مر بنا عابراً وباغتنا بالرحيل. فهل رتّب رحلته الأدبية على غفلة منا؟ أم كان يعرف أنه راحل فتريث قليلاً كي يرى كم كنا في الغفلة عنه، أسرفنا فعاقبنا بالرحيل المباغت؟
أم كان يعرف أن مجد الموت أعلى في أعرافنا كقراء من مجد الحياة، فاختار ما يسمو على أوجاعنا وذهب إلى التوحد بالتراب؟ الله.. يا جمعة الفيروز لقد كنت تعرف أننا كقراء قوم نحتفي بالموت والموتى، ونجعل من حياة المبدع الحي وهماً وضياعاً ومتاهاً وسراباً. وكنت تعرف أن في الغربة أوطاناً، وفي الأوطان أحياناً نسياناً وتهميشاً وأشكال اغتراب. فاخترت الموت لكي تحيا. واخترت التراب لكي تعلو.. واخترت الغياب لكي تُذكر. 
ولكنك أخطأت يا جمعة الفيروز، فالقليلون الذين أحبوك أرادوك حياً وبهياً وقوياً تتحدى موتك مرة، والموت الذي يغتالهم في كل حين ألف مرة. هل كنت تعرف أن كل شعر، كل لحن، كل شاعر في قامة روحك هو سحر ورقى للمحبة والحياة؟ يا صديقي نحن لا نحتاج موت الشعراء. نحن قد نحتاج موتاً آخر لأناس جعلوا من راية الموت شعاراً فوق رايات الحياة! يا شقيق الكلمات! هل كنت تدري أن موت الشعراء مثل موت الورد في أوج الربيع، مثل موت الطفل في أوج المخاض، مثل نضوب الماء في الأنهار.. مثل كسوف الشمس في أوج النهار.. مثل موت النسغ قبل أن يوقظ آلاف الحقول.. مثل ريح عاصف يقتلع الجذر، ويلقيه إلى عتم الغياب. 
فلماذا اخترت موتك قبل أن يكتمل عمرك في دورات الحياة؟ يا صديقي أنت مت لكنّ ذكراك تنهض في قلوبنا، وفي غناء الروح، في نسوغ الكلمات، في اخضرار العشب، في رنين الوتر الخافت للذكرى. في احتدام الحزن على كل شهيد مات وفي فمه حلم وذرات تراب. في أتون أحزان الأمهات. يا جمعة الفيروز كفاك موتاً، فقد متنا طويلاً. فلماذا اخترت موتاً مباغتاً، تاركاً جرحاً من الحزن على أرواحنا؟ ولماذا حين أسقطناك في النسيان حياً، شئت أن تعتب بالموت على نسياننا؟ ولماذا رتبت الرحيل بصمت مبدع مثلما عشت بصمت مبدع، وتركت لنا سوطاً من الحسرة، يلهب روحنا؟
يا جمعة الفيروز.. ربما نرثيك بالشعر أو السرد في إعلامنا، هل سترثينا - أنت الحر في قبرك، بالشعر أو بالسرد، وتشكي حالنا؟