ها هي الحياة تبدأ من جديد.. يعود الناس إلى مقار أعمالهم، وتسترجع الأروقة زخمها الذي فقدته منذ أكثر من عام، ويجاهد الجميع ليلتقط زمام أمره بعد أن تاه فجأة بدون سابق إنذار. تأتي عودتنا للحياة تجر أذيالاً ثقيلة، تغيرنا فيها كثيراً مهما ادعينا عكس ذلك، ربما أصبحنا في جانب ما أكثر قوة مما سبق، غير أن الأكيد أن الضعف تملك أجزاء فينا، فإلى أي مدى ندرك حقيقة ذلك؟! إننا مقبلون على حياة وإن بدت وكأنها تشبه ما سبق، غير أننا لسنا كما كنا سابقاً.
أسترجع ذكرياتي الخاصة مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب، تلك الأيام التي تبدو الآن كطيف يعبر أمامي أشاهد فيه نفسي وأنا طفلة بصحبة والدها تجر كيساً فيه بعض الكتب، أتفحصه بلهفة نفد منها صبر الانتظار حتى العودة للمنزل لقراءة ما حصلت عليه، حالمة بأوقاتي المقبلة التي ستعزلني عن الجميع في خلوة غير حقيقية في غرفة تشاركني فيها أخواتي.. تلك الهواية التي شغلت حياتي كانت الباب الذي عبر بي إلى عوالم لم تخطر قط في بالي.. هواية دفعت ثمنها من علاقاتي المحدودة بكل ما هو محيط بي، لعب وأصدقاء ووسائل ترفيه عديدة، ولكنها أهدتني أضعاف أضعاف ما فقدته لأجلها.. أسترجع ذلك وأنا أنظر لمعرض أبوظبي للكتاب الذي لم أغب عنه مطلقاً منذ أن فتح أبوابه للجمهور بعد غيابه العام الماضي لأول مرة في تاريخه.
هذا ما كان، أما الآن فقد تزحزحت العلاقة بين الكتاب وأهله، وأخذت منها الجائحة شيئاً كان يصعب أخذه في ظروف أخرى، فعلى عكس ما كان وقت بداية الجائحة من اعتبار الحجر فرصة للقراءة والاطلاع، تراجع الأمر إلى درجة كبيرة في الآونة الأخيرة، وعلى عكس ما كنت أعتقده في نفسى من أن توقف العلاقات الاجتماعية وصخب الأماكن والحياة كانا وقودي ودافعي للقراءة، فالحقيقة أنه لم يعد هناك صخب أرغب في الهروب منه إلى أحضان الكتب.. فهل في عودة الحياة إلى عهدها فرصة لإعادة ما كان بيني وبين كتبي؟!.