عندما تحضر أمسية،  أو محاضرة في ظل الجائحة العصيبة، تشعر أنك تجازف، ولكن عندما تشرئب أعناق الشعراء، ويحتد وجيب الكلمات، يتسع معطف الجملة الشعرية وترتدي القصيدة قميص يوسف، وتخرج من الجب ريانة بالمعنى، نشوانة بعطر البوح الجميل.
في مساء مظلل بنخوة الشعر، استمعنا إلى شدو من نوع آخر، رفع نغماته شاعر من زمننا الجميل، أخونا، وحبيبنا عبدالله الهدية، كما وترنمت الشاعرة الرائعة شيخة المطيري، وقد حلق الشاعران، ورفرفا، وهفهفا، وندفا على خيمة الوجدان ما أشع وأبرق، وأطرق، وحدق، ونسق مشاعر كانت تخب في صحارى الوجد، محتدمة مع فحيح الجائحة.
عبدالله الهدية غنى لجلفار، وخيم عند مضاربها، ثم شد لجام خيله، بعد أن أسرجها، وطاف في خيال تلك النجمة الساطعة خلف جبال عانقت الغيمة وأسهبت في الزئير عبر الأثير، كما أن شيخة المطيري ذهبت سريعاً إلى الفرات هناك حيث بابل تغسل يديها إثر تخثر دماء، وشعواء، وعشواء، ودهماء، هناك حيث التاريخ يفرك جفنيه وينظر إلى طفلة في كركوك تنبش عن أسرار الوجع في مخابئ الزمن المرابي.
كلا الشاعرين ربما لم يتفقا صراحة، ولكن كان للاشعور بوح صريح، وصارم في بيان ما قد غفا في الخاطر، وما قد تسرب من بين أصابع الضمير، في لحظة مستفزة.
استمع الحاضرون، وتناغموا، وانسجموا، واستدعوا الذاكرة المخبأة خلف ضجيج المرحلة وصار المكان المتواضع في جناح اتحاد الكتاب، يتسع، ويمتد جناحه، حتى أصبح الجناح شراعاً، القصيدة الجميلة سفينة تحملها الموجة على أكتاف الألم الداخلي، صار المكان ترنيمة وجودية تجاوزت حدود المكان، نفسه، صارت الوجوه مثل نجوم معلقة على مشاجب السماء، والبريق يشع من المقل، فرحاً ممزوجاً بقلق اللحظة، وورطة الاستماع إلى قصائد من الوزن الثقيل، تحرك مواجع، وتثير مواقع، وتمضي في الروح مثل حلم زاه، ملون بأطياف ربما غابت منذ زمن بعيد، وها هي تطل في تلك الليلة، بوجهين لهما في الحياة تجربة ربما لم تتكرر في كل حين، ولكنها تجربة أثبتت بأن الإمارات ولادة ، وأن أرض النخيل الوارفة جديرة بإنجاب زمردات القصيدة، وجياد الدروب الطويلة.
نعم أطربنا الشاعر الكبير عبدالله الهدية، نعم أطربتنا الشاعرة الرائعة شيخة المطيري.