صيحة الحياة تلك التي أطلقها المرحوم سعد الله ونوس، فيما كان المرض ينهش شهوة الحياة في جسده المليء بالغضب والأمل، بالسخط على واقع الأمة العربية، وبالسهر على كشف العلل وإبداع الحلول.. لم يكن التشبث بالأمل لديه مقاومة فردية ضد حتمية الموت، كان احتواء لرغبة الإنسان في جمعه الشمولي لتضاريس البشرية كلها، أين ما كانت مستعبدة ومذلة في كل زمان ومكان. 
اليوم تعلو صرخة الأمل في زحف الجموع العارم، وفي وقع خطاها تدق شوارع مدن العالم، وفي هديرها المدوي، وهي تعلن رفضها للحروب، وتعلن رغبتها في السلام، لعل وحشية الأفكار العدمية تنصت لصوت الشعوب، وهي تعلن الغضب والخوف من نتائج الحروب والدمار الشامل لكل ما أنتجته البشرية من حضارة عبرعقود من الأزمنة، فالموت الرهيب يلف في عتمته كل الأجيال دون انتقاء، واليأس يحطم النفوس والأحلام وطاقة الفكر والإبداع، بالحروب المضادة لكل ما هو حي في الطبيعة، فهل هي عودة للهمجية بعد كل ما أنجزته الحضارات الإنسانية؟، وإذا كان الموت معادلاً طبيعياً للحياة، فإن الحروب معادل قسري ووحشي للفناء، لكن الأمل الناهض في لهيب الغضب هوالمعادل الحقيقي للحياة، الأمل بوصفه أرقى إبداع الإنسانية لصون الحياة بكل تجلياتها: البشر وكائنات الطبيعة، ومنجزات الحضارة وقوانين الكون، الأمل معادلاً للحرية والسلام والطمأنينة والكرامة والنبل الإنساني.
كم هي هادئة شوارعنا، ومطمئنة الأقدام التي تطرقها لضرورة العيش، بينما تضج أرواحنا بالحزن والبكاء، ونحن نرى عبر قنوات البث الفضائي مسيرة بعض الأمم الغاضبة لإعلان صوتها ووجودها.
أين المفر إذن، إذا كانت كمامات الأوبئة تكتم أنفاسهم، وأقنعة الغاز المضادة للأسلحة الكيماوية، التي توزعها الحكومات على شعوبها تعمي أبصارهم عن رؤية الصوت المجلجل بالغضب، وحرية الصوت الهاتف بالأمل، إنهم محكومون بالأمل رغم احتضاره البطيء أمام سطوة اليأس، رغم كتم الصوت والفكر، رغم ما يحاك لهم في الخفاء والوضوح، رغم الفقر المدقع في العقول والنفوس، رغم ذلهم وخنوعهم، رغم تهافت بعضهم على المصالح الفردية، رغم كل شيء وأي شيء مضاد للحياة وللأمل، فإنهم محكومون بالأمل، ذلك أنهم بشر يكمن في طبيعتهم الغضب الهادر، والأمل الطموح لإعادة بناء حياتهم، فالحرب لا تميز بتروسها الوحشية بين القلة المتواطئة والكثرة الرافضة، إذ يتساوى فيها العربي والأعجمي ،المسلم والكافر في النتائج الحتمية، فلماذا لا تنصت السياسات المتواطئة لهذا النداء الذي ينبعث من حناجر الأمل؟!.