يتعرض رؤساء الدول الكبرى، ورؤساء وزرائها ووزراؤها وحتى مديري بلديات عواصمها إلى اعتداء من قبل الجمهور والمتربصين والحاقدين والناقمين والمكلومين والعاطلين عن العمل وحتى المجانين، وهو اعتداء قد يكون بسيطاً لكنه جارح، ربما يكون محاولة لشيء من الأذى الجسدي غير القاتل، لكنه يهز الهيبة الرسمية والرئاسية، وطوال التاريخ الإنساني كانت هناك حالات خلدتها السير والكتب مثلما فعل «جبلة بن الأيهم» وهو من ملوك الغساسنة، أسلم حديثاً، وكان يطوف بالكعبة في حليه وزيّه الطويل المتعجرف كعادة ملوكهم، فداس أعرابي من بني فزارة طرف ثوبه الذي يجلي الأرض، وكاد أن يسقط الملك على وجهه، فلطم الأعرابي على وجهه، فهشّم أنفه، ولأن الخليفة يومها كان عمر بن الخطاب، وهو الفيصل والفاروق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو الذي أمر القبطي أن يضرب ابن والي مصر عمرو بن العاص، بعد أن جلب الضارب والمضروب، وبحضور الوالد الوالي إلى المدينة ليقتص الضحية من الجلاد وأمام ناظريه، بعدما تعرض له وضربه في مصر، وقال قولته التي سطرت في محكمة العدل الدولية في «لاهاي»، وبعض الجامعات الأميركية التي تدرس القانون: «متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمواتهم أحراراً».. اضرب ابن الأكرمين!
فخاف «جبلة بن الأيهم» أن يُذل ويُقتص منه، وهو الملك الغساني، فهرب ليلاً، تاركاً الإسلام، راجعاً إلى نصرانيته.. الغريب أن هناك شخصاً آخر يُدعى «جبلة بن الأيهم» من مصر، وهو من قتل الخليفة عثمان بن عفان!
اليوم الأذى واللطم الذي يصيب الرؤساء من غضب الناس، ورمي الطماطم والبيض الفاسد على سياراتهم المصفحة عن الرصاص، كنوع العنف الناعم من الاحتجاج، ولعل حادثة «الزيدي» الصحفي العراقي الذي رمى الرئيس الأميركي «بوش الابن» بحذاءيه، وتفاداهما الرئيس بسرعة بديهة لم نكن نعتقدها فيه، في غفلة من حرسه، الغريب أن «منتظر الزيدي» نفسه تعرّض لرمي حذاء في وجهه من مواطن عراقي عدّه من أنصار «صدام» في مؤتمر صحفي في باريس!
في أوروبا ظاهرة الصفع واللطم على الخد أو حتى اللكم في الوجه تتكرر، وليس حادثة الرئيس الفرنسي «ماكرون» في جنوب شرق فرنسا بالأمس هي الوحيدة والأخيرة، بعض من هؤلاء الرؤساء وخاصة من الذين خلفيتهم عسكرية يفضلون الرمي بالرصاص والاغتيال عن لطمة الوجه غير المشرفة، «ديغول» نفسه تعرّض لمحاولة اغتيال، وهو الرئيس التاريخي لفرنسا، الرؤساء الأفارقة يفضلون العراك بالأيدي مع الخصوم ولا أحد يمس أنفه أو وجهه بصفعة أو حتى المبارزة بالسكاكين والسلاح الأبيض عن أن يُهان أمام أبناء قبيلته أو يُرمى بنعل قديم في وجهه، مثلما تعرض له الرئيس الإيراني «نجاد» مرتين في فترة رئاسته، وكذلك الرئيس اليمني «علي عبدالله صالح» في نيويورك، والرئيس الفرنسي «ساركوزي» و«هولاند»، لكن الأمر مع رؤساء الاتحاد السوفييتي مختلف، فالرئيس «نيكيتا خورتشوف» نزع حذاءه وضرب به منصة الخطابة في الأمم المتحدة، مهمة رمي الحذاء لا تقتصر على الرجال الغاضبين من الرجال المسؤولين، فقد تعرضت «هيلاري كلينتون» لرمية حذاء نسائي من امرأة، وأعتقد أنه أكثر أذى من الحذاء الرجالي الذي بلا كعب عالٍ، ولا نهاية مدببة، ولا وجه نسائي ناعم يخاف من التشويه دائماً.