كنا في العادة نقاوم النوم الذي يداهم العيون، ونصمد أمام حالة الإشباع وحتى التثاؤب الذي نشعر بهما، ونحن نأتي لمشاهدة بطولة «كوبا أميركا» بعد ملاحقة مثيرة لمباريات بطولة أوروبا للأمم بأطباقها الفنية المتعددة وفسيفسائها الكروي الجميل.
نفعل ذلك لأن «كوبا أميركا» كانت على الدوام وطناً للإبداع، ولأنها كانت أبداً واحة إليها يأتي السحر مستظلاً، ورحماً منه يولد النجوم وتولد الثريات ولا يصاب بالعقم، لكن ما تأتينا به اليوم النسخة السابعة والأربعون، مشاهد تسود الصورة وتربك العقل، بل وتخدش العين، ليس القصد أن تجري كل مباريات «كوبا أميركا» في ملعب مدرجاتها تنعق فيها الغربان، فهناك طارئ في صورة استثناء لا حكم عليه، وليس القصد أن تفرض علينا الكأس اللاتينية أن نأتي لمشاهدتها مرهقين وحتى مشبعين بعد أن تتكحل العيون بمشاهدة يورو استعاد بهجة واحتفاليات الحضور الجماهيري، ولكن القصد هو ما يحيط بهذه البطولة التي تنافس «يورو» على عرش أفضل البطولات القارية، ما يتداعى يومياً من أخبار مفجعة تدل على أن «كوبا أميركا» في إصرارها اليوم على أن تعود لسطح الحياة بأي ثمن، هي بصدد تقويض صرح الجمال واستنزاف رصيد الإعجاب والمتعة.
كان يفترض أن تنظم هذه النسخة بالأرجنتين، لكن الزيادة المخيفة في أعداد المصابين بكوفيد - 19 والخوف من تلويث البطولة، حدا بـ «الكوميبول» لنقلها للبرازيل، وما بين إصرار من الرئيس البرازيلي على استضافة البطولة للمرة الثانية توالياً، وبين مناهضة قوية لها من الجبهة المعارضة، ما جرها لردهات المحاكم، جيء بهذه البطولة إلى بلاد راقصي السامبا وتزامن ذلك مع انفجار الوضعية الوبائية، لتشهد البرازيل موجة ثالثة للفيروس بأعداد مهولة للمصابين وللمتوفين، ما فرض على البطولة أن تدخل قبل المنتخبات، إلى فقاعة طبية لتأمن شر الوباء، ومع ذلك سجلت عشرات الإصابات في صفوف اللاعبين والفنيين والإداريين، لتعيش «كوبا أميركا» تحت التنفس الاصطناعي.
بعض من العناد وكثير من التهور، سيجلبان على هذه البطولة الكثير من المشاهد المشينة والفاضحة التي تقول بمطلق الأمانة، إن الـ«كوميبول» جازف كثيراً بإقامة هذه النسخة في وقت عسير، ولعله في ذلك قدم الهاجس المالي على كل الهواجس الأخرى، ثم تحرك بسلطته ليصادر كل الأصوات التي ارتفعت هنا وهناك، تشجب إقامة هذه البطولة برغم كل المحاذير.
طبعاً لم يكف هذه النسخة من «كوبا أميركا»، أن يتعكر جدولها بكثير من المياه الفاسدة والعادمة كالتي انسابت مثلاً من منتخب تشيلي وقصة الحلاق الذي فجر الفقاعة الطبية، ولكنها أضافت لذلك المستويات الهابطة التي تخيم على جل المباريات، فإلى اليوم، وباستثناء ومضات سحر يرسلها المنتخب البرازيلي، فكل النزالات الأخرى هي عقاب كروي يأتينا من بطولة تعيش في فقاعة الرداءة.