ليس من أحد مثلنا يشوه الأمور ويقلب المقصد من تواجدها بيننا، واختراعها لنا أو سنّها لتخدمنا، هاتف بكف اليد لتسهيل أمورنا في الحياة وتوفير وقتنا، تحول في يد البعض إلى أداة ضرر للآخرين أو ضرر على نفسه من كثر ما يبات يرضع ذاك التلفون، مواقع اجتماعية لتقريب المسافات بين الناس، والتواصل المستمر، استغلها البعض للخراب والإفساد، سمحوا لهم بتسويق الطماط في الموسم الزراعي، زادوا الكيل حصى، سنّوا قوانين لحفظ حرية الآخرين الشخصية، وخاصة النساء، والمحافظة على الآداب العامة، وعدم تجريح الآخرين بلفظ أو حركة أو إشارة مهينة، قامت بعض الفتيات بتحوير المقصد، وتزوير المعنى، حتى ظل الزوج يخشى على نفسه من أي لغو أو زلل، وزخرت المحاكم بقضايا غريبة، عجيبة، واحدة مشتكية على زوجها مطالبة بالخلع، لأنه خدعها واشترى لها حقيبة نسائية تقليد، فشلتها قدام صديقاتها، أخرى تلزمه بشراء فيلا جديد لأنه عايَرها ببيت أهلها في الشعبية القديمة، أبو مكيفات «دريشه»، زوجان يتصارعان في أروقة المحاكم لأنه وصفها بـ «الخايسة»، وردت عليه: «خاست ريحتك»، وتطورت بينهما الأمور، هي تصفه بـ «ثقة»، وهو يصفها بـ «ضمان»، وكلمة منه: «أنتِ بعد كل ما قدمته لك دوم مب راضية»، وكلمة منها: «واييه.. ترضرضت عظامك»، حتى وصلت الأمور حدّ الملاسنة والملاعنة والطلاق!
حين لم يفهم قانون الأسرة وتطبيقاته، وأنه يمكن تفسيره على ما غيّر سُنّ له، تغيرت الأمور، وإذا كان ذلك يحدث ما بين بعض الأزواج، فحدث ولا حرج فيما يمكن أن يحدث بين الشباب والفتيات في الشارع والأماكن العامة، حتى لم نستطع أن نميز بين ما هو في الصالح العام، وبين ما هو في الصالح الخاص، ولأنه مثل ما زادوا كيل الطماط حصى، غدت هناك في البداية فتيات متخصصات للصيد اليومي، يعني يوميتها ما تقل عن خمسة آلاف درهم بالتراضي بينها وبين المشتكية عليه، ولا تقل عن خمسين ألف في الشهر عن طريق المحاكم، من هذا عشرين ألف درهم، ومن آخر عشرة آلاف، وهكذا، ولأنها أصبحت تجارة رابحة، بعد ما حاربت السلطات الشحاذة، ولاحقت الشحاذين والشحاذات، كونت «عيدة وسعيدة» عصابة متخصصة في مثل هذه الدعاوى والشكاوى؛ «والله هذا يمارج لي بعينه»، و«هذاك وصف براطمي ببراطم الخَوّارة»، و«هالاثنين قالوا عني متينة، وما يصلح لي الجينز، وأن حَدّي.. حَدّي سروال بو بادله تَلّي»!
أفراد عصابة «عيدة وسعيدة» كل واحدة متخصصة في شخص معين، «أبو عقال مشروخ، والبكلة على قتر، وداهننها بملبد كريم» له زبونه تعرف مفاتيحه، متقاعد ستيني، ومتشبب، ومحروم من بانكوك، له زبونه على قياسه، «مثلي وشرواي، من اللي قلوبهم دوم خضراء، ومن زمان ماراحو غرب»، هذيلا بس «جينز» أزرق، وفانيلة بيضاء، وهم والمحاكم «رباعه»! وغداً ربما نكمل