تتفتق عقول من امتهنوا النصب والاحتيال على  الناس عن أفكار لا تخطر على بال أحد، تباغت الضحية وتصدمه لتسلبه أمواله مستغلة حالة اللاتوازن التي تسببها المفاجأة ليفر النصاب بغنيمته تاركاً ضحيته، الذي يحتاج لبضع دقائق إضافية ليفيق من هول الصدمة ويستجمع قواه ويبدأ حصر خسائره. ولكن لم أكن أتصور أن تصل بهم «المواصيل» للنصب باستغلال أموات رحلوا عن دنيانا.
فئة جديدة من النصابين ظهرت عندنا تتابع مواقع الإعلانات عن الوفيات والجنائز، التي تتضمن أرقام هواتف أبناء أو أقارب المتوفّى الموضوعة لتقديم التعازي لهم عن بُعد، التزاماً بالإجراءات والتدابير الاحترازية لمكافحة تفشي جائحة كورونا. 
تجد النصاب يتواصل مع الابن الأكبر للمتوفّى أو المتوفية مقدماً أحرّ كلمات  العزاء والمواساة، مصحوبة بنحيب متدرج في المصاب الجلل، قبل أن يباغت الطرف الآخر بأنه كان ممن تشملهم الأيادي البيضاء للفقيد أو  الفقيدة، وأنه وأسرته من المدرجين في قائمته  للإحسان،حيث كانت تصلهم مخصصات شهرية، إلى جانب التكفل بالمير وفاتورة الماء والكهرباء،  فيطلب مبالغ مالية لسداد التزامات عاجلة وملحة غير قابلة للتأجيل. يستغل أمثال هذا النصاب، وأحياناً نصابة تتولى الدور نفسه في «عزاء النساء»، الظروف النفسية للأسرة وحرص أفرادها على تبرئة ذمة فقيدهم، فيسارعون لتقديم المطلوب اعتقاداً منهم أنهم يقدمون مساعدة إنسانية، بينما في الواقع يشجعون نصاباً على مواصلة احتراف جريمة يعاقب عليها القانون.
مواقع وجدت لتمكين أفراد المجتمع من أداء واجب العزاء وتعزيز وتكريس التلاحم المجتمعي، تجد من يستغل الأرقام المدونة فيها لغاياته الإجرامية وخططه الشيطانية.
واجبنا جميعاً التصدي لأمثال هؤلاء وكشفهم وإبلاغ  الشرطة وجهات الاختصاص، فالسكوت عنهم تشجيع ودعم لهم على مواصلة النصب والتفنن في اختلاق المزاعم والأكاذيب لأخد أموال الناس من دون حق. وللأسف عديدون وقعوا في الفخ المنصوب بكل براعة وتجاوبوا مع أمثال هؤلاء النصابين قبل أن يكتشفوا الخدعة بعد فوات الأوان.
 لقد كان الآباء والأمهات والأجداد والجدات حريصين على مساعدة المحتاجين بمبدأ «لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه»، ومع ذلك كانوا يحرصون على تعريف أبنائهم بوجود مستحقين للمساعدة ليتواصل فعل الخير الذي جبلوا عليه، وتقديم العون والمساعدة للفئات الضعيفة والمستحقة. 
نطرح الأمر للتحذير من وجود نوعية جديدة من النصابين تجردوا من كل شيء، وتجرؤوا على حرمة الأموات مستغلين حالة ذوي المتوفين وحرصهم على عمل الخير، وباليقظة والحذر والتعاون مع الشرطة نردعهم.