ماذا لو ترك الإنسان النور ينطفئ والعتمة تستبد به والخوف والذكريات الموجعة تحط رحالها حوله، بذات المعنى تتفحص نورة القبيسي عالمها البسيط، في كتابها البدء الجميل، والمعنون «كي لا ينطفئ النور»، لتضيء لغة المعنى الحزين من البوح الفطري، فالنور كائن يشبها، بل تعتصم ضوئياً في أرجاء نسيج الكتاب، الذي يشع في أبجدية الحقيقة، التي تسرد زمناً مضى في غياهب استفهامية، لا تجد لها حضوراً في الإجابة، وزمناً يقتبس من الآتي هالة من الاطمئنان المشرق على حياة وهبها الله لتقاوم ما يحزنها.
لا بد أن يشع النور الحقيقي في أرجاء النفس، فالحلم لا ينطفئ ولا ينبغي له ذلك، فماذا لو تركنا هذا البوح يعيد وصف الغربة، ويرحل في التيه واصفاً الحياة المتعثرة، بصوت اليتم، أياً كانت صفته الوجودية، هي صفة مبعثرة تشعر المرء بالغربة في الحياة، وهنا تبحث الكاتبة، أين هو النور، والنور إلى أين، ومن أنا، إنها حيرة المتأمل.
فإذا كانت مأساة الإنسان في الحلم الذي ينبغي أن يعيشه في الحياة، فلا بد أن يطهر بالنور بعيداً عن الذكريات الأليمة، ليستوحي منها ما قد يصوب الحياة، ليصادق على وجوده من جديد.
وتستشهد الكاتبة بجبران خليل جبران القائل: «احترس من ذكرياتك، فالوجع يزورك مرة واحدة، ولكنك أنت الذي لا تتوقف عن زيارته»، وهذه دلالة على حرية الروح من سقام الماضي. ولم يلتزم الكتاب بصفة أي جنس أدبي، وحلّق في عالم المتنبي وأبي القاسم الشابي، ليعزز النص النثر بالشعر. لتعيد الكاتبة لغة الحوار والسجال والاستدلال ما بين لغة النصوص الأدبية، وهي لغة استثناء لكتاب لغته البوح.
تيقظت الكاتبة إلى عنوان آخر «خربشات مبعثرة تحكي قصة مشاعر متضاربة» بمعنى كتاب صغير لن يصل إلى ذروة، في مخاطبة الآخر بصورة متسعة، ولكن قد تزيل الغمامة عن المعنى من محاولة كتابية أولى وصور لربما كانت جاثمة على النفس أو عالقة في الذهن لتحررها وترخي عنها الخيال وتشدها نحو الواقع.
تقترب الكاتبة من النور المطلق المتآلف معها، ضوء زئبقي من حروف شمعية تشع في الذات التي اقتبست ضوء الحقيقة وقررت أن تخاطب الأفق البهيّ دون وهَن بل بإيحاء مطمئن، عبق بملاذ آمن قد ينير حتمية الحياة المتعددة في كيان خمائلي طفولي عانق عثرات الزمن، كيان استدرك نوره ولم يكن قلقاً كما قد توحي السطور، بل إصرار على البوح، هو البعد الجميل في هذه البداية من الكتابات.