أشبه ما يكون بـ «الومضة» التي تضيء الزوايا المعتمة في التفكير، جاء المقترح السعودي بإقامة كأس العالم مرة كل سنتين، عوضاً عن أربع سنوات، ليحرر «الفيفا»، وبخاصة رئيسها جياني إنفانتينو من أغلال النمطية، وليرفع الحظر عن السباحة في المياه التي سميت حيناً بالمياه العادمة وأخرى بالمياه المحرمة، كلما تعلق الأمر بشكل المونديال.
بدت الفكرة رشيقة وكأنها تمرة ناضجة، طرحتها السماء على من يريدون أن يمتعوا كرة القدم بقدر عال من الحصانة ضد الكوارث، بزيادة قدرتها على الجذب وعلى الاستثمار، فقرر إنفانتينو عملاً بالفكر الاستشاري الذي هو من ثوابت حوكمته، أن يطرح المقترح على الاتحادات القارية، ليكون لها مادة للنقاش والتداول، على أمل الوصول إلى الاقتناع الجماعي، للمرور رأساً إلى التنفيذ.
وبموازاة مع ذلك وضع إنفانتينو على رأس لجنة من الخبراء الفرنسي أرسين فينجر، بهدف تشريح المقترح، والوقوف على ممكنات التنفيذ، وقبله على قابلية المشهد الكروي العالمي، ليكون له مونديال كل سنتين، وبالطبع أناط إنفانتينو بفريق من الاقتصاديين مهمة جرد المكاسب المالية التي يمكن أن تأتي من هذه الثورة على الأنساق التنظيمية التقليدية.
قضى فينجر ما يقارب ستة أشهر في تقليب الفكرة من كل جوانبها، حلل المعطيات، استفسر الإحصائيات، تقصى الآراء في شبه استفتاء، وقادته حصافته وخبرته الطويلة في الملاعب إلى الذهاب لزاوية رصد لا يمكن أن ترى بالعين المجردة، ولا يمكن أن يهتدي إليها، إلا من أنفق عمراً في تحليل الظواهر.
نفذ فينجر إلى المقترح «الفكرة» من زاوية أجندة «الفيفا» الدولية، والتي هي اليوم مصدر لوعة للأندية، بل إن رفض «اليويفا» القاطع للمشروع برمته، مصدره أن تنظيم المونديال كل عامين سيزيد الأجندة الدولية اختناقاً، وسيحكم بالموت الزؤام على ما دون كأس العالم من مسابقات قارية وإقليمية.
يقترح فينجر عماداً قوياً لصرح مونديال كل سنتين، أن تقتصر الأجندة الدولية على فترتين عوض خمس فترات في العام، واحدة أكتوبر وأخرى مارس، وفي كل واحدة منها ستقام جولة من التصفيات، ما يعني أنه لن يعود هناك مكان لتنظيم مباريات ودية، وسيكون بمقدور الأندية أن تستفيد من لاعبيها سبعة أشهر من دون انقطاع، وهي مدة كافية لبرمجة المسابقات المحلية والقارية.
والحقيقة أن فينجر وجد المدخل الحقيقي لإبراز الوجه الجميل لفكرة تنظيم مونديال كل عامين، ولإقصاء الكثير من غيوم الشك التي يطلقها المعارضون للمقترح، وأيضاً الانتصار للرهان الرياضي وليس للوازع المالي للفكرة، وهذا الذي شرعه فينجر من أبواب فنية، هو ما جعل اتحادات قارية عارضت الفكرة من البداية، تقول إن هناك في المقترح ما يستوجب النقاش العميق والتداول الهادئ والموضوعي، لعل الجميع يقرر مع نهاية السنة تحويل الفكرة العبقرية إلى نظام به يتجمل المونديال.