هو ذاك المرتب لوجدان الناس، هو ذلك مرتل آيات العصامية عند مشارف الأيام العصيبة.
يوسف غريب، «أبو محمد». شخصية لها في وجدان معيريض، حنين الماء إلى اليابسة، هو ذاك محارة القلب، وخيط في معطف التاريخ لا تبليه غبار ولا يغيبه ضجيج، إنه الترنيمة في الذاكرة، إنه التغريدة في أشجان الحالمين بزمن جميل، لا يضع نقاطاً على السطور، بل يفتح النوافذ، لمغزل الحرير، كي يمضي في ضمير القماشة، كي يلونها بلون السماء، ويلطف أهداب العيون التي غللها الرمد.
يوسف غريب، كان ذاك الرجل الهياب، ينزل من سيارة الأجرة، قادماً من مكان عمله دائرة الجمارك، متأبطاً كتباً، وأوراقاً، وملفات، صاعداً بقدمين صارمتين تحملان هامة جليلة، ونظرات تبدو أنها كعيون الزمن الراصد لأحلام الذين سيأتون، والذين سوف يتبوؤون، شجرة العائلة مزملين بحب الحياة، مجللين بطموحات ربما تكون بوسع بحر الخليج، وحجم أشجار السدر السامقة.
كان الرجل، بسحنته الفياضة، هيبة قد تخرّج من بين يديه تلاميذ كثر، هم اليوم عندما تلتقي عيونهم بذاك المنزل المنتصب على طين معيريض بهامة صقر، موشوم بعزة راعية، وشهامة مروضه.
هناك حيث موئل أبجدية الكلمات، حيث الخطوات الأولى نحو كوكبة ساردي الحكاية، والذين في عيونهم تشع قناديل الومضة الأولى، لزمن يأتي وبين يدي أبنائه كتاب وقلم.
كان يوسف غريب يحمل حلمه، في أعطاف قلب محب للكلمة، تواق لأن تصبح معيريض، الريق، والبريق لنون وقلم. لترسخ صورة الرجل النبيل، المعلم الأول، في اللا شعور الجمعي، كأيقونة حياة، ومثال أخلاق، ونموذج إنسان استثنائي في مكان فريد في طبيعة أهله، وخلود سجاياهم.
يوسف غريب، تحدث الإنجليزية، وأجاد العربية، لغة القرآن التي تلاها على مريديه بشفافية الفطرة الأبوية، وعفوية البيئة القروية، وبداهة الحلم، ونزاهة العلم، ونخوة الأوفياء، ووفاء النبلاء للمكان، والزمان، والإنسان.
يوسف غريب، نموذج للفرد المتكئ على مهد الرجال المعتصمين بأهداب الحياة ذات النسق، المتوافق مع أحلام الموجة، وهي تداعب رمل السواحل، وهو شيخ الطريقة في أداء مفردات الحلم، والتعبير عن لواعج مرت في الخاطر، فأيقظت حلماً، فكرة أزلية، كما هي في خاطر فلاسفة عظام ملؤوا دنيانا برنين الجلجلة، وجلال المعطى، وطوقوا أحداقنا بجمال الجملة وهي تشدو في بساتين العبارات الملهمة.