أكتب هذه المرة من العاصمة الأردنية عمّان، التي تواصل جهودها في إطار بناء الوعي الفكري العربي، ومواجهة التطرف والتمييز تجاه الآخر، وخلق اتجاه إعلامي يؤمن بالمسؤولية الإنسانية.
شاركت في مؤتمر «إعلاميون ضد الكراهية» الذي ينظمه «مجلس حكماء المسلمين»، ويناقش محاور هامة منها صورة الإنسان العربي في الإعلام الغربي، وخطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى احتواء وباء الكراهية الذي تزامن مع تفشي وباء كورونا.
كإماراتيين، نرى أن أي محاولة في العالم لمحاصرة الكراهية أمر جدير بالاهتمام والدعم، انطلاقاً من مسؤوليتنا التاريخية كدولة فاعلة وواعية، ذلك أن «الرؤية الإماراتية» كانت ولا تزال تستثمر في ثقافة التسامح والأخوة الإنسانية، وبذلت في ذلك جهوداً حثيثة ترمي إلى نقل العالم من الصراعات إلى التعايش، ومن القتل باسم الدين إلى التآخي باسم البشرية التي خلقها الله وتأمرنا دوماً بالحبّ لا الكراهية وبالسلام لا الحرب، وتذكّرنا بأهمية التطلع للمستقبل المليء بالقيم الإيجابية.
ونرى أن المهمة الأجلّ للإعلام العربي اليوم هي تعميق الاعتدال بخطاب عقلاني، وسرد تجارب التواصل والتعايش والحوار الإنساني، والتصدي للتطرف وأيديولوجياته التي تؤدي إلى الإرهاب وإذكاء الكراهية ودوامات العنف.
كما نرى أنه لا بد من إعادة الاعتبار للثقافة باعتبارها مكوناً أساسياً وجوهرياً للتنمية البشرية بمحتواها الإنساني والإبداعي، ذلك أن الوسطية ما هي إلا نتاج «عملية ثقافية شاملة» مؤهلة للتأثير في الوعي الاجتماعي، خاصة في زمن الأمية المعرفية.
أما الدعوة التي نطلقها من هنا فهي العمل الحثيث على إجراء معالجة عاجلة لإشكاليات العمل الإعلامي العربي، والمآزق المهنية والثقافية التي تشهدها صناعة المحتوى عندما تنحرف عن المسار الأخلاقي والقيم الإنسانية الأساسية، والوقوف في وجه أي تزييف للأحداث والصور أو الترويج للكراهية بين الأديان والمذاهب أو الاستغلال الإعلامي لضحايا الاضطرابات والحروب، لاسيما الأطفال والنساء والنازحين، ومن ثمّ الانحياز للمعايير المهنية والأخلاقية، ومحاصرة نوازع التطرف والمساهمة في إفلاسها فكرياً، خصوصاً في حواضنها التي تتغذى على تغذية إعلامية.
سيظل ترسيخ الاعتدال قضيتنا الكبرى، وسيبقى التصدي للتعصّب ومحاصرة وباء الكراهية مهمتنا السامية، بينما يقيننا الدائم أن الأديان السماوية لم تكن أبداً بريداً للعداء وإذكاء دوامات العنف.