تملكتني عادة متابعة الشعوب التي زرت بلادهم، معرفة طبيعة نومهم، وطقوس يومهم، ومن أهم ما تتبعته معنى القيلولة عندهم، ودرجة احترامها أو مقتها، والقيلولة، والمقيل، والغائرة، في العربية، وبالإنجليزية «Nap أو forty winks»، وباللاتينية «لا سيستي»، وبالإسبانية «لاسيستا»، ومرجعها «لا سيكستا أهورا» أي الساعة السادسة حسب التوقيت القديم، وتسمى ساعة الشيطان أيضاً.
لقد بقيت بين جدل علمي يعترف بأهميتها، وشعوب تكد وتعمل ولا يعترفون بها، ويعدّون الشعوب التي تقدسها شعوباً كسولة، حتى إسبانيا، التي ربما ورثتها من الحضارة الأندلسية، وتأثير العرب عليهم أو بسبب مكون البحر الأبيض المتوسط، واجهت مشكلة حين انضمامها لدول الاتحاد الأوروبي، الذي ألزم الناس بساعات طويلة من العمل، وحرمان الإسبان من تلك القيلولة الساحرة، بعد أقداح «الفينو روخو» الذي غالباً ما يكسرونه بالماء ظهراً، لكنهم لم يلتزموا، ولم يقدروا على اختلال توازن نومة الظهر، وعادوا للساعة المخدرة، لأن الطبع يغلب التطبع، وهناك قول، ربما لميتران أو شيراك: «لابد من قيلولة خفيفة، ولو اضطررت أن أنام واقفاً»، عند الشعوب الآسيوية مثل الصين، وبعد تلك الوجبة التي تشبه «الزرّار» يخلد الصيني لتلك الإغفاءة، والتي يسمونها «ووكسيو»، وهي حق يكفله الدستور الصيني، لذا تجدهم تحت الجسور معلقين في تلك الشباك التي تتسع لجثة صيني نحيفة. أما قيلولة الهندي، وخاصة الـ «بانياني»، ويعاقب قانونياً كلُّ من يقطع قيلولة الآخر، فستجدها في دكانه المعبق بروائح صمغ الأكياس الورقية، وأتربة الأقمشة، ومروحة قديمة جالسة قبالته تدور جالبة له نسمة رطبة، وهو بإزار أبيض خفيف، وفانيلة بحمالتين، وثمة ثقوب في خاصرتها من كثرة الاستعمال، والبخل الربوي، وتقبع بجانبة قصعة نحاسية «سفر طاس» فيها بقايا أكل مفلفل ملتصقة بأطرافها. الكوريون واليابانيون المتطورون يسعون لإيجاد وسائل أكثر عصرية للتناغم مع تلك الساعة البيولوجية لعمالهم، ووقت الهجعة الظهرية، لذا كثيراً ما تجد تلك الأسرة اللاصقة في الجدار أو الأسرّة ذات الطوابق أو المخادع الجماعية لتستوعب مناوبة النوم. الغريب أن بعض الحيوانات تشارك الإنسان، في حوض البحر الأبيض المتوسط وأميركا الوسطى والجنوبية، هذا الهوس بالقيلولة، والتي تعد القيلولة الملكية أطولها، مثلما هي نومة الأسد، والملوك، وأقصرها تسمى الغفوة أو السِنة.
اليوم هناك الكثير من الجمعيات التي تدعو لاستراحة الظهر، مثل: «رابطة نوم القيلولة» في البرتغال، وفي الثقافة الإسلامية هناك حديث رواه أنس بن مالك عن النبي الكريم، قال: «قيّلوا فإن الشياطين لا تقيّل».. ونكمل