مجرد وهم أو حلم في الخيال، أن تجرى مباراة بين الشعر وكرة القدم، فالنتيجة الحتمية في مباراة كهذه خاسرة بكل تأكيد بالنسبة للشعر، ورابحة بامتياز ومجد، بالنسبة لكرة القدم، فعالمنا الكروي – نسبة للأرض- هو عالم كروي – نسبة للكرة التي تهيمن على اهتمام الغالبية من سكان الأرض، فأولئك الذين يرزحون تحت وطأة الجوع والمعيش البدائي لن ينتبهوا إلى أن ثمة مليارات تصرف ببذخ فاقع على ملاعب الكرة ومبارياتها ولاعبيها وحكامهم ومدربيهم، يكفي جزء يسير منها لنقلهم على الأقل إلى عصر ما قبل الحداثة، وإكسابهم بضعة مليجرامات من اللحم الذي سيغطي هياكلهم العظمية المكشوفة. 
على مدار الأيام والفصول والسنين ينشغل الناس بدورات كؤوس العالم لكرة القدم، وهي في كل مرة تحظى بنفس الاهتمام والحماس والاحتفالية الصاخبة، كنت أرقب على قنوات التلفزيون، مشهد تدافع الناس واكتظاظ مدرجات الملاعب بالمتفرجين والمشجعين، والمدربين والحكام، وإعلانات البضائع الملصقة على استدارة السور الفاصل بين ميدان اللعب ومدرج المتفرجين، هذا المشهد المشتعل حماساً وبذخاً واستقطاباً للناس حتى الذين لا يعنيهم رفس الكرة ودحرجتها داخل الشبك أو خارجه. كنت أرقب وأنصت فبدا لي في شطحة من الخيال أن أزيح اللاعبين وأضع مكانهم فريقين من الشعراء، كل فريق يتكون من ستة شعراء، اثنان يمثلان القصيدة العمودية التقليدية، واثنان لقصيدة التفعيلة واثنان لقصيدة النثر، ويقف بينهم الحكام والمدربون، فلماذا لا يكون لإتقان فن الشعر مدربون تبذل لهم الأموال ذاتها التي تعطى لمدربي كرة القدم؟!، هل الشعر أقل أهمية وجدارة من كرة القدم، في رفع سمعة البلاد التي ينتمون إليها؟، فلنرى المشهد ذاته: الاستاد الضخم بمدرجاته الدائرة وسجادته العشبية وسماعاته الزاعقة، والحشد الهائل من الناس بمختلف أعمارهم، والمسؤولون، والمعلقون والصحفيون والمشجعون لكل فريق، واستبدلت إعلانات السلع بإعلانات عن الكتب والمكتبات ودور النشر، وقد اصطف الشعراء في فريقين ليتباريا في إلقاء القصائد، ثم يبدأ المحكمون في عد الأخطاء وفرض ضربات الجزاء!، ثم إعلان النتائج وفوز الفريق هذا على ذاك، ليرتفع هتاف المشجعين والمتفرجين بالفرح للفائزين، وبالدموع للخاسرين، ويُحمل كل فائز على الأكتاف ويدار به في ساحة الاستاد بوصفه بطلاً من أبطال الشعر!، تُرى لو تجسد هذا الحلم الخيالي كحقيقة ماذا سيحدث؟، هل سيخسر الشعراء مركزهم بين العالم المتحضر؟، وهل سيوضعون في مصاف الشعراء الفاشلين؟.