إلى الراحل ناصر جبران، قف لا تدخل برزخ الكتاب، الرحلة لا تنتظر، عنفوانك الصمت، وأنت تبتسم وفي دمك خيالات لا منتهى لها، تستسلم لحالة مزمنة في روحك، وإن لم تقطف ثمار الحياة الوارفة، بيد أنك تعيش في عالمك الخفي، تستدرجه متى شئت، وتحنو عنه بعيداً بما تبقى من صمتك، روحك هي ذروة وجودك، هي المتعمقة في ذاتك، ثمة عالم آخر لك، عالم لم ترثه من الحياة، النائية بعيداً بكيانات مبهمة أو معذبة إلى درجة الفناء الوجودي.
تشعر بالحب وسماتك فيه، ثمة صداقة تتوحد بخيالك، مرر ذاتك في كينونتك الطاهرة، المتدفقة بالخيال، أمام مرايا الواقع المرير، لأنك لا تجرح وجودهم، فأنت مغترب في ذاتك، تضج في صمتهم، تهمش ضوضاءهم، تغيب وتيرتهم المتسارعة، وترى لحظاتهم في نبوءتك، معلنة أمام الملأ فلا تكترث بالوجود كثيراً، وأنت راحل بهدوئك المعتاد، من زمن لا يفهمك، رغم فهمك الكبير، وزهاء المسرات، لا تستعجلها، ولا تزيحها من مكمنها الصامت، إلى أي زمن تتوحد فيك الحياة وتتجلى.
كائن مغترب، إلى صديق آخر يظهر طفولته، يداعب الحياة، ذات ليلة دمع الحزن في عينيك، كما لو أقصاه الألم، مر في أعماقك منتهياً بلحظات صعبة، لا تكاد إلا أن تخفت بصبرك، لتعجل بالنسيان لتهادن الزمن، مثلما تلجأ إلى غربة النفس، لتمحو لحظاتها أياً كانت صفاتها، لتمحو أنشودة الحياة البليدة، لربما لديك الحق أن لا تكن شغفاً بشيء، وأن تنغمس روحك في إرهاصاتك المغتربة، لتشعل مقتبل العمر حكايات، لا طعم لنسيان، لا طعم لشيء، وأنت في زمن باهت، تطل منه الوجوه من نوافذ صغيرة، لم تعد لتراها حق المعرفة، حديثك يمر ضمن صور التيه، نوافذ هاتفية مقيتة جاثمة على الوقت، تحررك من حكاياتك اليومية لتطفي اشتعالك.
مر زمن لم تر ابتسامة وجودية تختلج روحك، عالم لا يستحق الضحك المفرط، الناس تضحك بالإنابة عن بعضها، لتصمت على مر ما يحدث، الكل يصمت في إرباك لحياة، إذا ما تحدثت بثقافة استقيتها من كتب، اقتبست منها صوتك وحراكك الوجداني، لا أحد يمكن أن تشغله الكلمة الحق، إلا من فرط الوقت حين يمر القليل من البشر على توهج.
ابق في سعادة منصهرة في الحدث المؤقت، الغربة يا صديقي، تطهرك من عالم يثابر من أجل لا شيء سوى هرولة من لا ذات لهم، يختلقون روايات، طفح الحال منهم، تجاوزوا المكان والزمان محو الذاكرة، لكل شيء جميل، سلبوا ذاكرة الأموات والأحياء. أما أنت فاستعد ابتسامك المشرقة يا صديقي، واذهب نحو عنوانك المنسي، اطمئن على الترحال واستفض به، خربش على جدار الزمن، وحدق في الوجود ككائن جميل تمثل أمام الحياة بطفولتك التي تشقى بك.