مشينا خلف «الأبيض» زمناً نفتش عن الفوز الهارب، وكم أعيانا هذا السفر، من فرط ما شاهدناه من آمال تنتحر، ومن أحلام تتقوض، ومن صروح تتهاوى على عتبات مباريات، كان «الأبيض» في كثير منها، نسخة سيئة من نفسه، وملمحاً شاحباً من مساحة الضوء التي تسكن رسمه الفني..
كثيراً ما كان «الأبيض» يلامس خيوط الفجر، ولكنه لا يشرق على مبارياته شمساً تضيء الربوع، وكثيراً ما سحبنا إلى مخاضات عسيرة، لم تولد منها إلا الآهات والندم، وغالبنا أنفسنا الأمارة باليأس مما كنا نراه، لعل بارقة أمل تطل من وراء الأكمات الدكناء، وأبداً لم نكن نتسكع في شوارع المستحيل، ولم نكن نمشى مثل العطاشى في طرقات السراب، وبينما كانت مباراة سيؤول، وهي تعلن الهزيمة الثانية لهذا «الأبيض»، بعد الأولى له بالميدان أمام إيران، قد سودت الأفق، وأسدلت ستارة قاتمة على مسرح الحلم المونديالي، إذا بالفوز الهارب يأتي طيعاً هناك في صيدا، وينجح «الأبيض» في نيل أول ثلاث نقاط له في البطولة المجمعة التي انقضى نصفها الأول، بل وشرعنا في نصفها الثاني.
عض «الأبيض» بالنواجذ على فوزه القيصري أمام شقيقه اللبناني، لتعطيه النقاط الثلاث الحق، في أن يعود مجدداً للمركز الثالث الذي يؤهل صاحبه إلى الملحق الآسيوي، ومنه إلى الملحق العالمي، وقد فعل ذلك بإيعاز من متغيرات فنية وتكتيكية حدثت، وبدافع من غريزة الدفاع عن الكبرياء المجروح، فبعد أن مثلت مباراة كوريا الجنوبية لمنتخب الإمارات فرصة إخراج الآمال الموؤودة من مرقدها، وما أفلح فيها، كانت مباراة لبنان الفرصة الأخيرة، وغير الفوز هناك في صيدا لا يمكن إطلاقاً الحديث عن حلم ما زال يتنفس تحت رماد الهزائم.
ما الذي يجب أن نحتفظ به من مباراة لبنان، وقد كانت شاقة ومرهقة بوعائها التكتيكي وبسياقاتها المتعبة؟
بحسب رأيي، لا شيء غير الفوز، لأنه يعبر عن طاقة مصادرة في هذا «الأبيض»، ولأنه يعبر عن انتفاضة نفسية تحدث داخل هذا الفريق، صحيح أن «الأبيض» ما تحسن أداؤه الجماعي وما قوي على ترويض منتخب لبناني متأجج ومشتعل بالرغبة لكتابة التاريخ، إلى الشوط الثاني بخاصة لما استعان مارفيك بسيبستيان تيجالي ليعطي زخماً قوياً لجبهة الهجوم، وليلزم المنتخب اللبناني بفرملة هجومه، لتأتي ضربة الجزاء التي منها سجل علي مبخوت هدف النصر المولود من رحم المعاناة.
طبعاً سيحتاج «الأبيض» وقد استوطن بنقاطه الست مركزاً يضمن الملحق الآسيوي، إلى ما يجعله قادراً بالشخصية القوية التي لا تهاب منافساً، وبالأداء الذي يرفع القيمة الجماعية، على انتزاع ما يكفي من النقاط في مبارياته الأربع المتبقية، لعله يحصل على أكثر ما هو باليد الآن، وقد تكون كأس العرب هي ضالته لتحقيق ذلك.