كشعراء، نحتفل في الثاني من ديسمبر المقبل بمرور خمسين عاماً على تأسيس الدولة. نقيس ونراجع عمق التجربة الشعرية في دولة الإمارات التي استطاعت أن ترسخ مكانتها ومكانة شعرائها في العالم العربي. كانت السبعينيات محطة الإطلاق الأولى نحو الأفق العربي، حيث سبقها منذ الأربعينيات، مرحلة التأسيس الأولى التي بدت واضحة في تجربة جماعة (الحيرة) في الشارقة وشعراء الفصحى والعمود في بقية الإمارات الذين كتبوا قصائد كلاسيكية ناضجة تفوح منها أصالة التعبير فنياً وشكلياً، مستفيدين من مستوى التعليم الذي كان مقصوراً على بعض العائلات آنذاك. إلا أنه ومنذ منتصف الخمسينيات انتشر التعليم النظامي بسرعة وترسّخ أكثر بعد قيام دولة الاتحاد ليمتد التعليم إلى كل البيوت سواء للمرأة أو الرجل. وهذه الخطوة العملاقة في نشر التعليم دفعت بأصحاب المواهب لكي يذهبوا إلى تعميق تجاربهم في الكتابة الشعرية وفي خوض مغامرة التجديد والتجريب، وكان الراحل الشاعر د. أحمد المدني من أبرز تجارب تلك الفترة عندما ذهب إلى الدراسة في العراق وعاد متأثراً بتجربة كتابة قصيدة التفعيلة كما طُرحت على يد بدر شاكر السيّاب وعبد الوهاب البياتي وغيرهما.
كتب المدني قصائد التفعيلة بنفسٍ مجدد، وتبعه في المغامرة حبيب الصايغ منذ أول ديوان له (هنا بار بني عبس والدعوة عامة) وظهرت في تلك الفترة أسماء شعرية أخرى انحازت إلى التجديد وإلى الرغبة في كسر نمطية التعبير في الموضوع والشكل. أيضاً دخلت قصيدة النثر بأسئلتها وإشكالاتها إلى عمق الساحة الثقافية. ومنذ بداية الثمانينيات، انتظمت الصحف اليومية في الصدور وخصصت الملاحق الثقافية التي راحت تنشر النصوص الجديدة وتحديداً قصائد النثر والتفعيلة، فيما تراجع حضور القصائد العمودية تدريجياً.
منذ الثمانينيات وحتى اليوم، قدمت الإمارات أصواتاً شعرية لافتة على المستوى العربي، معظمهم كتبوا قصيدة النثر وفرضوا صوتهم في المنابر والمجلات والصحف العربية ومهرجانات الشعر المعروفة. كانت أصواتهم شابةً لكنها تحملُ روح المغايرة. راكموا التجربة عاماً بعد عام ونضجت نصوصهم إلى مستوى التماهي والتقاطع مع أكبر التجارب الشعرية العربية اليوم.
أيضاً لعبت المؤسسات الثقافية ومعها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات دوراً تأسيسياً في تعزيز حضور الشعر في البرامج الثقافية سنوياً. بوصولنا إلى عامنا الخمسين نكون قد بنينا ورسّخنا مكوناً مهماً من مكونات الثقافة في الإمارات وهو الشعر. لكن المرحلة المقبلة تتطلبُ بالتأكيد عملاً أكبر واستراتيجيات نأمل أن ترى النور.وللحديث صلة...