«الأبيض» هو واحد من قلة، حضرت بمنتخبها الأول إلى مونديال العرب، ليكون لها تحضيراً تكميلياً للقادم من التزامات قارية ودولية، بخاصة تلك التي ستكمل ما بقي لها من مشوار التصفيات المونديالية اعتباراً من مطلع السنة القادمة، وكيف لا تفعل وهي تتشكل في غالبيتها من لاعبين يمارسون إما بالدوري المحلي أو بالدوريات العربية المعطلة؟
كيف لا تفعل وقد كانت لها كأس العرب في هذا التوقيت بالذات، هدية من السماء، لخوض تجريبيات عالية المستوى ومضمونة الفوائد فنياً وتكتيكياً.
لكن «الأبيض» برغم حضوره مكتمل الصفوف إلى الدوحة، إلا أنه لا يوجد في أي ترشيح أطلعت عليه من خبراء ومحللين ومتابعين، سئلوا عن المنتخبات التي يرشحونها لتكون على منصة التتويج، وذاك بحسب رأيي إقرار بل واعتراف بالمنغصات الفنية الكثيرة التي أذهبت عن «الأبيض» جبروته ونصاعته وقوته الجماعية، كما لن نختلف على موضوعية هذا الإقرار، فـ «الأبيض» يتعبنا في أيامه الصعبة هاته بالانقلابات التي تحدث على منظومة لعبه وعلى نتائجه أيضاً، فهو منتخب لا يستقر على حال، ينقلب بسرعة البرق من حالة فنية إلى نقيضها.
هذه الصورة المربكة والمشوشة والحاجبة للأفق الجميل، هي ما عكسها «الأبيض» في افتتاحه لمونديال العرب وهو يلاقي «نسور قاسيون» ويفوز عليهم بشق الأنفس، بعد مباراة أسعدنا نسبياً شوطها الأول وجننا شوطها الثاني.
طيب، لماذا لسنا سعداء بفوز «الأبيض» في افتتاح بطولة قوية ومثيرة وذات شد نفسي قوي ورهيب؟
أليس هذا الذي هزمه «الأبيض» باستاد 974 المونديالي، هو نفسه المنتخب السوري الذي تعطلت لغة الفوز عليه في تصفيات كأس العالم؟
لنكن واقعيين، فمن قابله «الأبيض» في أول خطوة بكأس العرب، منتخب سوري يغيب عنه ستة على الأقل من صوامعه بل ورافعاته البشرية والإبداعية، منتخب سوري تغير ربانه الفني وتغير بفعل ذلك أسلوب لعبه، ولم يأخذ زمناً مقدراً لكي يتحضر للمونديال العربي أو حتى ليندمج مع المشروع الفني الجديد.
ونفس الواقعية، تلزمنا بأن نعيد سيناريو المباراة، حتى نستحضر ما كان من حضور قوي ومتوازن في الشوط الأول أثمر تقدماً مريحاً بهدفين، وما كان من انهيار مستفز وغير مفهوم في الشوط الثاني، إلى الحد الذي جعل «الأبيض» يهوي من سمائه، ليضع نفسه بين مخالب نسور سورية استفاقت، قلصت الفارق، وكادت أن تستعيد منه نقاط الفوز لولا الألطاف.
في كل مرة يشعرنا «الأبيض» أنه يخرج من متاهة ليدخل أخرى، بل يحزننا أنه ينهي ضياعاً تكتيكياً ليبدأ ضياعاً ألعن منه، إن الفوانيس التي تضيئها مباراة تطفئها أخرى، ولو أننا سنتفاءل بأن الفوز على سوريا أياً كانت حيثياته، يعطي «الأبيض» أجنحة ليحلق فوق الخرائب التكتيكية.