حين استرسل ستيف هارفي معجباً، بحضارة الإمارات الحديثة، مستغرباً نجاحها بفترة وجيزة، قائلاً لا شك أن وراء هذه الإنجازات رجالاً عظماء، كتبوا هذه الحقيقة التي نراها، وليس وحده الإعلامي المخضرم، من أبهرته الإمارات ومنجزها، ورائعتها الحديثة، وبروزها في الحياة بشكل مختلف، ورهانها على العلم والثقافة، وانفتاحها على العالم كقبلة حضارية رائدة تجلت فيه المعجزة التاريخية، لتنبثق من أجل عالم جديد متجدد، يؤمن بالروح الإنسانية الخالدة المتجسدة بالتسامح والسلام.
حين تحدث هارفي عن الإمارات، استذكرت أنا الماضي البعيد، كنا نجلس أنا وصديقي على ضفاف بحر هاربر بمدينة تاكوما الأميركية، في منتصف الثمانينيات، حينها لم يكن المجتمع الأميركي يعرف الإمارات حق المعرفة، فكان علينا أن نبرز الإمارات جغرافياً، كلما سئلنا، وبما أننا كنا نستمتع لحظتها بالغروب أمام السفن المسترخية، وإضاءات البيوت تحفل بأعياد الميلاد، وإذا برجل يرتدي زي سانتا كلوز، يفتعل الحديث معنا، سأل من أين أنتم؟ شعرت بأنني سأحتاج إلى جهد من أجل تعريفه، لكنه فاجأنا بمعرفة إمارة عجمان كونه ملاحاً يجوب العالم ويعرف دولتنا حق المعرفة.
كان هارفي يسترسل بالإعجاب بالإمارات، وأنا كنت أسترسل في الذكريات، حينها كانت وزارة الإعلام تطبع بوسترات كبيرة تعريفية، عن معالم سياحية للدولة، وكنت أحمل منها، للتعريف بالدولة سوى بالجامعات أو الكليات، وبالمناسبات الثقافية، التي تتحدث عن حياة وتاريخ وتراث الدول، كانت مناسبات جميلة، نتوق لها لما تحمله من معانٍ ثقافية، كاستدعاء لمعرفة الشعوب وطبيعتها، وكانت ترسخ مفاهيم المعرفة والتعارف.
فمنذ تأسيسها والإمارات تحضر بذاكرة العالم المتحضر، وتسعى لأن تقدم طفرة عالمية، تبعها هذا المد الإنساني الذي يفد إليها ويستقر، بحب وأمان ويكتب لها التاريخ بأنها ذات عهد جديد لا تنساه البشرية، بل تحتفل معها وتعهد لها بأن بدايتها، هو يوم مشرق للمعرفة والتحضر الإنساني، لذا الإمارات لن تقف عند هذا الحد، بل يزداد لديها شغف المنهجية الثقافية والفكرية واكتساب مزيد من العلوم المفيدة للبشرية.
فما قدمه هارفي الإعلامي الأميركي ذائع الصيت، من صور تعبر عن زياراته لأماكن تراثية وبدوية ومجالسته للناس بين الجبال، وفي الصحراء ولباسه اللبس الإماراتي، لهي دلالة على ثقافة هذا الرجل، وتعمقه بالفكر الاجتماعي، الذي يرسمه أمام المشاهد الأميركي، وليس وحده الذي حمله الإعجاب بالإمارات، وإنما هناك شخصيات منفردة بحبها، كماكس الأميركي الذي تعلم لهجة الإمارات وتحدثها بطلاقة، حاضراً بمناسبات شعوبية عدة، معرفاً بثقافتها وتراثها، فها هي الإمارات يوماً بعد آخر، يحضر في عالمها بمن هم كثر وما نعلم منهم إلا القليل وتبقى الإمارات ذات القلب الكبير.