ما يضير الناشر أن يلتزم بعقده مع الكاتب، أما اعتاد على هضم حقوقه بشتى السبل، ليستمر ذات السجال المزمن، الكاتب والكتابة من ناحية، والناشر الملتهم لحقوق الكتابة والإبداع أياً كانت طبيعتها، وتستمر المعاناة الحقيقية، بالنسبة للكاتب الشغف بالكتابة، لا شيء آخر، يرسم لحياته سوى حرفة الكتابة، فلا بطبيعته يحتدم ولا يجادل مع الناشر، ولا يمارس شيئاً يذكر، مع مؤسسات النشر، المهيمنة على ما ينتجه، ظنه منه اكتفاء بالفكرة والإبداع احتداماً وجدلاً مع الحياة، وهي مسيرته الحافلة دون ترويض، وهي تماسه الأجمل مع القارئ، والمتلقي لسحر الإبداع.
أينما وجدت الكتابة وجد الكاتب، بهذه الأطروحات الفكرية الناضجة المختلفة في إبداعاتها وجماليتها، فالكاتب يكتب ولا شأن له بالنشر وبالموارد المالية، لم يخلق لها ولا يلتفت إلا لإنصاف الحق، ولا يساوم على النشر، وما يصدر من كتب هو بصمت، يكتب بما يجره من حبر قلبه، ومن جوف سهر ليله الطويل، ليعتذر عن شرفة الصباحات الجميلة، ويود لو يلتذ بغبش البدايات، وزهوها الناصع، مرهقة هي الأفكار، وأيقونة الإبداعات لا يقتات منها إلا التعب، تحضر الفكرة في إيجاز وإعجاز وقتياً، وربما تنحاز بعيداً عن سياق الوقت، وتهجر بعيداً وربما تنطفئ أبدياً من دون مساس بالحياة.
جل ما ينتظره الناشر هو إصدارات الكتاب وبأقل جهد، يسعون إليها ومن دون صعوبات، ليقطف المراد، ليدون ورقة، بموجبها ينتزع من الكتاب جهدهم، وآخر نظرة للكتاب بإصداراتهم، ما بقصد بطباعة الكتاب، ليبدو الريع القادم مشتركاً، لكن في حقيقته الأمر يمارس على الكاتب ما يسمى بحقوق النشر من دون مقابل، أي عقد من دون أن يلزم الناشر بشيء يذكر.
فما يضير مؤسسات النشر الواسعة كاتحادات الناشرين وغيرها أن تدافع عن حقوق الكاتب وتضع الناشر في حدود العقود المبرمة، ففي غياب المصطلحات العامة للنشر، وغياب القيم والمفاهيم، التي تقدر الكتابة، وتمنحها حضورها الفعلي، وتقدر الكاتب نفسه، لن ينصف الكتاب، وستظل المحنة مستشرية، وسيظل الكاتب يرى إصداراته برفوف المكتبات، وفي أيقونات المواقع الإلكترونية تداول ويروج لها هنا وهناك بعيداً عن مفاهيم العقود والحقوق المنصوصة، ما بين الكتاب والناشرين.
بات الأمر مجحفاً في حق الكاتب المنتج والمثابر على الإنتاج، وغير المحمي من الناشرين وشبكاتهم الإلكترونية التي نصبت نفسها احتفاءً بالإصدارات الجديدة والقديمة، وهمها الكسب المادي وهم الكاتب يتبخر بمجرد الإعلان عن إصداره ليتسرب منه منتجه وعطاؤه لينتشر في هذا الكون الشاسع في صفاء، محتملاً ومتأملاً ومهمشاً أحياناً ومتجولاً أحياناً بمعارض الكتب، بينما مؤسسات النشر تستحوذ على الحقوق كاملة.