جاء خبر إعلان المخرج المصري داوود عبد السيد اعتزال الإخراج السينمائي بشكل نهائي بسبب عدم قدرته على التعامل مع الجمهور الحالي، ليلقي بظلاله على حياتنا الثقافية العربية التي تعيش تحولات غير مسبوقة، وتكبرُ أسئلتها بلا أجوبة تلوح في الأفق. وإذا كانت السينما العربية التي عاشت مجدها في السابق، تعاني مثل هذا الضمور، فما بالنا ببقية الفنون التي تكاد تنقرض ونحن نتفرج عليها وليس بيدنا حيلة أو قدرة على فعل شيء.
لنبدأ من المسرح العربي الجاد والاجتماعي، ولنسأل أين هو في حياتنا اليوم. في الماضي استطاع التلفزيون أن ينقل المسرحيات الاجتماعية العربية والخليجية إلى كل البيوت، إلا أن هذه الظاهرة ماتت واختفت من على الشاشات. أيضاً تقلّص دور المسرح في علاقته بجمهوره، وبالكاد تستطيع الفرق المسرحية العريقة أن تقدم عرضاً يجذب الجمهور ويكسب أجره من تذاكر الدخول. قس على ذلك حال الشعر العربي والموسيقى العربية والتظاهرات الثقافية الأخرى الجادة. هناك تراجعٌ في حضور هذه الآفاق الإبداعية في حياتنا اليومية. وأمام وضعٍ كهذا لا يمكن إلقاء اللوم على المتفرج وحده أو على الفنانين وحدهم. هناك إحساس عام بالعجز بسبب عدم قدرة العقل العربي اليوم على وضع منهجيات جديدة للتعامل مع الإبداع والمبدعين. الكل ينتظر أن تبادر المؤسسات الثقافية لإيجاد حلول لهذه الظواهر المخيفة، لكن المؤسسة نفسها جزء من منظومة عامة تحتاج إلى تغييرات جذرية عميقة يتداخل فيها التعليم والإعلام والثقافة وغيرها من المحددات التي تؤسس لبنية ثقافية تحتية قائمة على المعنى وليس الشكل. وقائمة على المضمون العميق للإبداع بدلاً من التقليد.
الغريب في الأمر، أن هذا التراجع الصارخ لحضور الفنون والآداب في حياتنا يبدو وكأنه ظاهرة عربية، ذلك لأن الفنون والآداب تتطور وتزدهر في الدول الأخرى بصيغ جديدة باستمرار. لا تزال مهرجانات الشعر تتكاثر وتكبر في الخارج، ونحن نتراجع عنها. تقتحم الدول عالم السينما وتضيف جديدها، بينما ينسحبُ كبار مخرجينا منها. يتطور المسرح هناك ويجد لنفسه مجالات جديدة للتواصل مع الجمهور، ونحن نتأخر عنه. ولو قسنا هذا التراجع على مستوى الشباب العربي لرأينا حجم الكارثة الحقيقية. ذلك لأن هذه الأجيال هي التي قصدها عبد السيد بوصفها (الجمهور الحالي)، الجمهور الذي لا يعرف التعامل مع السينما، وبالطبع لا يستطيع أن يتعاطى مع القصيدة العميقة والكتاب المختلف والمسرح الجاد وغير ذلك.