فرحت جداً بعد سنين من المطالبات والكتابات، حتى أيقنت أنه بُحّ صوت المُنشدِ، بأن تصبح للإمارات وفي عاصمتها أخيراً مكتبة وطنية تليق بها وبمنجزاتها وإرثها وتاريخها، مثلما هو الحال في الدول المتقدمة، والتي تعد بعض هذه المكتبات الوطنية فيها رمزاً وقيمة قومية كبيرة، تجمع ليس الكتب والمخطوطات والأسطوانات لما أنتجته البشرية من أعمال إبداعية في مختلف العلوم والفنون والآداب، وبلغات عدة، بل لكي تحفظ كل ما يملكه هذا الوطن من ذخائر  وأرشيف ومرجعيات ويوميات وتفاصيل كثيرة معقدة، يجهلها الكثيرون، وبنسخ متعددة، منها تلك النسخة السرية التي تحفظ للأجيال مثل كنز مخبأ، بعيداً عن المتناول والكوارث الطبيعية والحروب، وكل ما من شأنه التخريب، وفرحتي اكتملت بشأن تفعيل دور الأرشيف الوطني، وخروجه عن التقليدية والرتابة الرسمية، سعياً ليكون أكثر انفتاحاً على المنجز الثقافي والإبداعي، وتبني أفكار تعطيه موقعاً في الصدارة في المشهد الثقافي الوطني، والبحث عن كل ما يخص الحياة في الإمارات قديماً وحديثاً من مختلف المصادر والجهات، وتوثيقها بطريقة عصرية سواء في الصورة أو الصورة الفيلمية أو المواد المقروءة، وتمكين المتخصصين والمبدعين في مختلف المجالات من تولي تلك الأمور، خاصة وأن الوقت ليس في صالحنا أبداً، بعدما ضاع منا الكثير، إما لجهل من بعضنا، وقلة اهتمامنا، وعدم وعينا بقيمة تلك الأشياء التي نتأسف عليها الآن، وإما لعدم تقديرنا حينها معنى وقيمة التوثيق، ومدى أهمية الأشياء القديمة التي بحوزتنا، مثلما حدث لأشهر أرشيف تلفزيوني عندنا، حين اتكلنا على مجموعة من الحراس غير المتخصصين، وفي مبنى أشبه بالمرآب، غير مدروس ولا معد لاستقبال مواد فيلمية ذات قيمة كبيرة، والآن أكبر، فضاع ذلك الأرشيف بين مبنى غير مجهز، وإهمال لعدم وجود المتخصصين الذين يعرفون ما تفعل الرطوبة والحر والغبار وتراكم الأتربة في المواد الأرشيفية، وشغفنا بإهمال القديم والركض وراء الجديد، والشيء اللامع.
الآن.. كلنا مسؤولون، وكلنا نلام على ضياع الكثير من وثائقنا وتوثيقاتنا التي تخص الناس والوطن والحياة في مختلف نواحيها، ونلام لأننا لا نغذي الشبكة العنكبوتية بالمحتوى العربي عن الكثير الذي عندنا، وبالصور التي نملك، خوفاً من سرقتها، وخوفاً على كونها رسمية، رغم أنها موجودة في أرشيفات العالم وبلغات مختلفة، فلم نطرد الباحث عن بعض أشيائنا ليقوم بدراسة أو عمل بشأنها، ونضطره أن يذهب إلى أرشيفات أخرى؟ لِمَ نمنح تلك الأرشيفيات لتكون مصدراً مغذياً في الأعمال والبحوث والدراسات، وأرشيفنا بعيد عن التوثيق والذكر أو حتى الإشارة له؟
هناك مسألة مهمة يجب أن ينتبه لها الأرشيف الوطني أو المكتبة الوطنية، وهو تطهير المواد الأرشيفية الوطنية من بعض الأسماء والعلامات والحروف المختصرة لشخصيات ملكت تلك المواد بحكم وضع اليد أو السطو، وهي لا تملك حقوقها، ولا موادها الأصلية، وكل ما يقدمونه شيئاً مشوهاً، عليه ختمهم غير القانوني!