يعد بناء التجاذب الثقافي أمراً حتمياً، ما بين الكاتب المتوهج والقارئ المتلقي للإبداعات المختلفة، ومن المسلّمات أن يسعى الكاتب لها، ويحرص لبلورة أفكاره في ذهن المتلقي، المتعطش أحياناً لمعرفة الجديد، هذا التقارب المعرفي في طوره يأتي ضمن السبل المتاحة، ويحدث نجاحاً حين يطرح الكاتب إصداره، نواة الثقافة التي يسعى الكاتب إلى تحديثها، ونشرها وإبرازها بما يوازي الزمن، ونشوة الفكر وتطلعاته، إلا أن إصدارات سنوات الحجر الأخيرة، أخذ بعضها بظلم الجائحة، ولم تجد طريقها في التجاذب المأمول ما بين الإصدارات والقراء، وأحجمت أروقة الساحة الثقافية ومؤسساتها المختلفة، عن التفاعل بشكل أو آخر مع الإصدارات المختلفة، ولم تنسج الصحافة الثقافية فعلها، من تجسيد نقدها لمحتوى الإصدارات منذ كانت فكرة في ذهن الكاتب إلى نشرها في الكتب.
ويرى المتلقي المثقف وقد يفند كل ما يصدر من كتب، متى نضج التجاذب الثقافي ووصل ذروته الجمالية الحسية، فالقارئ نفسه على مشارف ما يصدر من كتب، وما تحمله من محتويات إبداعية، سواء كانت مشبعة لفهمه وثقافته، أو غير ذات عمق رصين، ولو ضج حولها الضجيج والصيت، ولو شمرت الجوائز الأدبية، حولها يبقى المتلقي هو الناقد الأصيل، الذي يفرق ما بين إصدارات بعينها أو ما يوازيها، من إصدارات شاملة بالفكر والإبداع وبمضامينها ومدارسها.
والمقارنة ما بين الإصدارات عامة، تجرفها سيل الأسئلة النقدية المراد بلورتها في المشهد الثقافي، من قبل النقاد المختصين، الذين يشملهم التجاذب الثقافي من دون أن تصاب العلاقة بالفتور، بل تظل أجمل في طور المحاكاة شأنها والمتلقي.
ثبات علاقة التجاذب الثقافي مقياس آخر للجمود اتجاه ما يمكن أن يصعد نضجاً وفهماً ووعياً أحياناً، وما يمكن أن تصبح به العلاقة تفاعلية بالأصوات الجديدة لا خلاف عليه إذا ما تفوقت في التفاتة المتلقي إليها ليصبح البناء تفاعلياً وذا قيمة.
لذا تبقى أسماء مبدعة في خاصية المشهد وتندثر أخرى ربما يحدث هذا، وربما تندثر الإصدارات الجيدة، ولا يلتفت لها، كونها لا تمتلك أدوات التواصل الحديثة، ولا تقترب من مؤسسات بعينها لتبقى على حرصها للكتابة المفعمة بالإبداع، لكن على المدى الأبعد تبقى الإصدارات الأجدر، لتصعد ضمن سلسلة الزمن مهما علت الأصوات وتجسدت حولها الرؤى فلا يبقى إلا الإبداع الأحق.
أجريت بحثاً ذاتياً ومررت على أكثر من دار ومكتبة للاستطلاع الشخصي، وفهمت بأن المكتبات العامة لا تمدك بأفضل الكتب المبيعة محلياً، وليس لديها ذو اختصاص في سرد وتبويب الإصدارات، وليست لديها ابتكارات جديدة ترمي إلى غربلة ما يطرح للمتلقي من كتب، وهذه ناحية مهمة في حراك التجاذب الثقافي.