تؤصل دولة الإمارات للفعل الثقافي عبر استراتيجيات تتعدى حدود جغرافيتها المحلية والعربية لترسّخ وجودها على المستوى العالمي. والأجمل أن هذا الفعل، حتى وإن كان عالمياً، فإنه يقدّم بلسان عربي فصيح، وبممارسات فنية وأدبية وفكرية تنطلق من روح الثقافة العربية ووجدانها النابض في التاريخ. انتهت قبل أيام الدورة الـ31 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وكانت جميع المؤشرات في المعرض تشير إلى عالميته سواء على مستوى الحضور أو الطرح أو البرامج المصاحبة. كان الصوت العربي المستنير قادراً على تجاوز الحدود الوهمية التي ترى في اللغة حاجزاً يمنع التواصل مع الآخرين. لكن الفكر الحقيقي الذي تحمله اللغة، والقصيدة المشحونة بأنفاس روحٍ عربية مبدعة تصلُ بالتأكيد إلى الآخر، وكذلك فإن العقل الذي ينتج مثل هذه الإبداعات قادر أيضاً على استيعاب الصوت المبدع الآتي من وراء الحدود مهما كانت لغته أو لسانه.
لذلك، امتازت الكثير من الجلسات بمشاركات تعددت فيها الألسن، ولكن اتحدت فيها الروح والرؤية القارئة للعالم من منظور وعي ثقافي منفتح. ويعد معرض أبوظبي للكتاب مثالاً وانعكاساً لفعاليات كبرى تتكرر في معظم مدن الدولة، وكلها تصب في تكوين جبهة متألقة من القوّة الناعمة الصاعدة في الإمارات. وكم هو مبهج ورائع أن يتقدم الشعراء والفنانون والكتّاب إلى صدارة المشهد الثقافي في التعامل مع الآخرين من حول العالم. وما أجمل أن تكون الكلمة المبدعة هي التي تخطّ رسائل تفاهماتنا مع بقية شعوب الأرض. وأن نمتلك هذا البعد العربي من الثقافة، وهذا التراث العظيم من التقاليد والأخلاق الأصيلة، فهذا يعني أن كنزنا الحقيقي يترسّخ في لغتنا وفي وجداننا وفي طرق التعبير عن أنفسنا فناً وكتابة وتعبيراً عن الحال.
أيضاً، تؤصل الإمارات لتمازج نادر ما بين الثقافة وبقية حقول المعرفة وأولها العلوم. وشاهدنا بكل فخر قبل أيام فوز ابن الإمارات المهندس عمران شرف برئاسة لجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي. وتابعنا فوز فنانين وشعراء ومبتكرين بجوائز دولية مرموقة، وتجلّت الإنجازات الثقافية الكبيرة في النسخة العربية من إكسبو في دبي 2020 الذي أبهر العالم بشعار ثقافي/علمي هو «تواصل العقول وصنع المستقبل». وتعدُ هذه الرؤية بالمزيد من التألق والإنجاز في الفترة المقبلة.
إنها الرؤية الطموحة التي تستندُ على الفكر والوعي والعلم، إنها الروح العربية المبدعة التي لا تتطلعُ إلا إلى القمم السامية.