صير أبو نعير تلك الجزيرة التي تحولت عند البحارة وذاكرتهم القديمة والجديدة إلى شيء من دورة حياتهم السنوية، بها يعلنون انتهاء موسم البحر والزوارق والسباقات جميعاً، حديثها وقديمها أن وشم أجدادهم منذ عهد القفال والغوص، لن تصدق أن هذه الجزيرة التي تسكن البحر، عمق البحر هي تاج و(فص) خاتم البحر، هي نجمة الفرح، هي البدء والنهاية، منذ أن يعلن قائد السردال أو ذلك الغواص الكبير صاحب إعلان نهاية فترة الغوص ويطلق الحرية والعنان لمجاميع سفن الغواصة، بأن الموسم وفترة الغوص قد انتهت وأن السفن حرة بأن تمد أشرعتها البيضاء أمام الريح، يصرخ في فضاء وسماء الفرح، أن جزيرة صير أبو نعير تشهد سباقاتهم، فهي علامة البدء لمن يريد أن يحلق فوق الماء أو يطير بين السماء والبحر، الحرية بيد البحارة، وجوه الصغار والنساء ترف هناك في الساحل والمنزل، كل شيء الآن لك، الطفل والطفلة وردة/ فراشة تجول في محيط المنزل والسيف، العيون شاخصة إلى عمق البحر فرحة ومراقبة الأفق البعيد، متى يظهر أول شراع أبيض في البعيد، أشرعة تسابق الريح وطيور (الغواي) و(الخرسنة) و(الصر) وكل النوارس البيضاء، طيور البحر التي تعشق سباق الأشرعة البيضاء، كذلك بعض الدلافين (دغس) البحر الذي يقود عادة كل سفينة شراعه سريعة عندما تتجه إلى الساحل والبحر..
صور بديعة لا يعرفها غير البحارة وأحفادهم عشاق البحر والموج ورياح المواسم (الكوس) الغربي، هبوب الشمال والمطلعي، للبحر ذاكرة كبيرة وقوية أعادها سباق صير أبو نعير، بل تلك الفكرة، إعادة ما تركه الآباء والأجداد من تاريخ في السباقات البحرية وانطلاقاً من جزيرة أبو نعير، الآن هذه الجزيرة التاريخية الجميلة يتم العناية بها بصورة في غاية الروعة وتجدد الأنشطة المصاحبة ويضاف إليها كل جديد في عالم البحار..
في هذا العام يبدأ الاستعداد كعادته، بل أجمل بالإضافات الجديدة من المشرفين على السباقات وإدارة المسابقات والأنشطة، صحيح أنه فقد أهم من عمل وشجع واهتم بأن تكون فكرة القفال ليست حلم صيف أو فكرة طارئة تحضر ثم تغيب، ولكنها فكرة دائمة للأجيال وترسيخ لتاريخ الإمارات البحري، رحل المعلم والأستاذ مطلقاً فكرة سباق القفال، الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، ولكن من الشارقة حضر رجال ليعرضوا ويدعموا استمرار ما بدأه العاشقون، فهذا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ونائبه يدعمون بقوة أن يستمر تاريخ البحر حاضراً، بل في تصاعد مستمر، إنه القفال ذاكرة كل من ينتمي إلى تاريخ البحر، كذلك ساند فكرة الاستمرار والحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم.
بالأمس عادت الأشرعة إلى الساحل، عاد البحارة، وعلى الرغم من نجاح السباق لكن الجميع حزنوا كثيراً على ذلك البحار القديم الذي لم يفارق أي سباق أو نشاط بحري، بحار تجاوز الـ«85» سنة، وهو عمود البحر وفرح البحر، مع كل موجة وهبوب ريح كانت له قصيدة أو حكاية رجل يبتسم دائماً بلوح البحر، إنه محبوب البحارة، تعرفه الإمارات من السلع إلى أقصى حدود الإمارات وعُمان وساحل الخليج العربي، إنه جاري، البحار الرائع الذي ترجل في اليوم الذي يعشقه، يوم السباق، وصلت الأشرعة، ولكن العاشق الكبير لم يستقبلها كالعادة بضحكته الجميلة أو أناشيده وقصائده، وصلت الأشرعة في ساعة كنا نحمله إلى مثواه الأخير، صرخنا في أذن الريح: أخبري (سيف المنصوري «الجو») أن البحارة تمطر عيونهم الدموع وأن الأشرعة تبكي من أعطى عمره وحياته للبحر، ثم إنهم يعاهدون الله أن يستمر عشق البحر «سباق القفال»، وأنهم لن ينسوا سيف الجو أبداً..
سيف المنصوري ليس ناشطاً على المستوى البحري وأنشطته الاجتماعية، ولكن مشارك فعال على المستوى الإعلامي والحديث عن الذكريات القديمة في مختلف وسائل الإعلام، شخصية نادرة في مثل هذا العمر، دائمة الفرح والحبور والسرور..
غادر سيف البحر، ساد صمت وهدوء، ولم تستمر غير أمواج صغيرة تهدهد الشاطئ.