مع الكم الكبير من الحزن والحسرة على تبخر حلم الوصول إلى كأس العالم، ومع الشعور القوي بالندم على أن شعرة رقيقة هي التي فصلت «الأبيض» عن الحلم المونديالي، فإنني أقبض على بارقة الأمل التي ظهرت في مباراة أستراليا، وأتنسم عميقاً العبير الذي فاح من تلك المباراة، لأستشرف معكم المستقبل الجميل الذي ينتظر هذا الفريق، إذا ما واصل الحفر في الصخر، للوصول إلى المستوى الذي يعبر بصاحبه للعالمية.
كثيرة هي المباريات التي شاهدتها متفحصاً وقارئاً للصورة الفنية التي كان يظهر بها «الأبيض» في مشواره الذي مشاه مطارداً حلم الوصول لكأس العالم للمرة الثانية، إلا أنني للأمانة ما وجدت زخماً فنياً وتكتيكياً أكبر من الذي شاهدته أمام «الكنجر»، ولم أعثر للأبيض على شخصية مكافحة وجسورة وممتلئة بالطاقة كالتي لمحتها هناك في قطر، في استاد أحمد بن علي بأم الأفاعي.
ليس القصد أن «الأبيض» جارى المنتخب الأسترالي، بل وتفوق عليه أحياناً بنظام النقط والاستحواذ والضغط والذي لا يمنح لغاية الأسف فوزاً ولا حتى علامة، فقد كان «الأبيض» في نزالات سابقة أمام «الكنجر»، قوياً ومتماسكاً وجسوراً، لكن القصد أن «الأبيض» قدم نفسه هذه المرة بصورة مختلفة تماماً، فريق هادئ ومتزن وغير مرتعب، ولولا أنه أُكره تحت الضغط الأسترالي على ارتكاب بعض الأخطاء في بناء عمقه الدفاعي، منها استقبل هدفين، لكان هو من عبر للملحق المونديالي الأخير لملاقاة بيرو، بعلامة الاستحقاق التي تدل عليها منظومة لعبه، المؤسسة على شاكلة حداثية بتنشيط هجومي ودفاعي جيد، وبانتقالات مدروسة بين الحالتين معاً. 
ما تطرحه المباراة أمامنا، غير النتيجة التي كانت فوزاً وتأهلاً أسترالياً، من أرقام ومعطيات وإحصائيات تبرز حقيقة أن «الأبيض» كان وجهاً مضيئاً في هذه المباراة بتماسك خطوطه وبانضباط لاعبيه في أداء الأدوار الموكولة إليهم وعلى الخصوص بجرأته الكبيرة في اقتحام الكهوف الأسترالية لفك الشيفرات، ولن أكون مغالياً أو متعدياً إذا قلت، لو لعب «الأبيض» من بداية التصفيات، بهذه الروح، وبهذه الدرجة العالية من الالتزام والانضباط والسلاسة، وبهذه الشاكلة المتطابقة والمنزلة في الملعب بأفضل طريقة، لما كان بحاجة لمطاردة التأهل للمونديال من أدوار الملحق.
وبرغم وجع الخروج من سباق الترشح الذي يسكننا جميعاً، فإن ما شاهدناه يعطينا الاقتناع الكامل، بأن في طيات نقمة الإقصاء، نعمة الأمل في المستقبل، ففي «الأبيض» بذرات لمنتخب لو واصل العمل بلا هوادة، فحتماً سيكون من العلامات الفارقة في كأس أمم آسيا القادمة، وسيكون بلا أدنى شك من بين فرسان كأس العالم لعام 2026. 
لا حاجة لأن نطيل الوقوف شاكين أو متباكين أو حتى متحسرين على تبخر حلم التأهل لمونديال 2022، فقد ودّع الأبيض حلماً لكي يستقبل حلماً آخر، ومسؤوليتنا جميعاً أن نجعله هذه المرة حقيقة.