اعتاد الناس قديماً أن يظهروا ملامحهم الجادة والعابسة عندما كانوا يلتقطون الصور الفوتوغرافية، فعندما بدأت استوديوهات التصوير في الانتشار أخذ الأفراد والأسر يرتادونها على أمل الحصول على صور تعبر عنهم وتبقى ميراثاً يطلع عليه من سيخلفهم. ولهذا كانت هناك رغبة شديدة على ترك شيء جاد، ويبدو أن الضحك أو الابتسام لم يكن من السمات والأفعال التي تدعو إلى الثقة آنذاك! تطورت علاقة الإنسان بالصور الشخصية بشكل كبير، ومرت بمراحل قياسية غدت فيها مؤثرة في وجدان ونفسية أصحابها.
ينحصر جل همنا عندما نلتقط الصور في أن نكون رائعين، وجوهنا جميلة، وقوامنا ممشوق وملابسنا منمقة، وطبعاً خلفيات الصورة يجب أن تكون مبهرة، أو مرتبة «جداً» على أقل تقدير، فعلى من تقع عينه على هذه الصورة أن لا يجد فيها شائبة!، والحقيقة التي لا نعيها أن الأكثر أهمية في موضوع الصور، هو ما تثيره فينا من مشاعر أثناء النظر إلى أنفسنا فيها. إن الصور المنمقة محدودة جداً مقارنة بالصور التي كانوا يلتقطونها لنا عندما كنا صغاراً، عندما لم نكن مبالين بالتفاصيل المجمدة، تلك الصور التي نبدو فيها كالقطط الصغيرة التي تبحث عن المرح أو الطعام. إنها صور ناطقة، تفوح منها روائح التوابل المعطرة، وألوان الفرح والبساطة، وقصص تشي بأكثر من تعابير الوجوه فيها، وأصوات يمكن سماعها بوضوح تخبرك عن زمن جميل تكاد لا تصدق أنك عشته·
عندما يتعلق الأمر بالصور، أستطيع أن أنافس أشد حراس بيت المال في زمن أبخل سلاطين العصور السابقة، ولا أعرف سبب هذا الطبع الغريب، فكل الصور القديمة لعائلتي بحوزتي، أجمعها منذ زمن بعيد لم أعد أذكره، وإن كانت بعض الصور تؤكد أني بدأت هذه العادة حتى قبل مولدي.. لديّ اعتقاد قوي أن هذه الصور ملك خاص لي، ولي قناعة تامة أنهم لن يحافظوا عليها، وسيهملونها، فأقرر نيابة عنهم أن أحفظها لهم، ومع الوقت، أدعي ملكيتها الخاصة، وفي إثبات ذلك لا أعجز عن الحجة، فتارة أقول إني من التقط هذه الصور، ومرة أقول إني من تكفلت بتحميضها، وعندما أعجز تماماً، أستخدم صلاحياتي كوني أكبر أبناء الأسرة، وهذا يلزمني بحفظ مكتنزاتها.