لذة التأمل في البعد، لها صدى في الذات البشرية، وحصيلتها جميلة، هي الإبصار الحقيقي نحو اللامنتهي، وانعكاسها على النفس وتجليها في الروح، أما رمزية الطبيعة فيبدو أنها تتعدى حدود العقل، خاصة إذا ما تحتم على المرء، أن يعلو به مسار العمل، ويبدأ رحلة الصحو المبكر، فلابد من قراءة الكون بجمالية الانسجام، الصاعدة نحو مصاعد منتهية بك نحو المراد، الطابق ما بعد الخمسين، ذات مرات، تساورك الدهشة حين ترى الطيور تحلق إلى هذا المدى، وترى البحر يرسم لوحة جميلة، صامتة، فلا تشعر بهدره المعتاد، ولا تسمع أصوات الأحياء، ولا طيور النورس، العاشقة للبحر، هنا محطة الخيال البكر، تسترسل نحو ثقافة التأمل، ترتشف قهوة المدارات، ضمن الانتماء للحياة وصمتها، وضمن حراكها الزمني الجميل، نحو شغف المجهول.
إطلالة ساحرة وإيقاع يومي، لكورنيش أبوظبي، يبدو كأنه قلادة متعرجة على قلب الزرقة النابض، لم يفد رواده بعد، إلا القليل، تركوا بانوراما من الصحو، وآثارهم لا زالت تخربش على ترابه، يرحلون عنه ليلاً وإليه يعاودون صباحاً، حالات الاستمتاع بنسماته الجلية لا تنتهي، ترى ضياء الفجر، يمسد وجه البحر، يعانقه، يكشف أعماقه المتلألئة، والمحتدمة بالهواء الطلق، ترى قصر الإمارات مغلفاً بالتجليات الجميلة المرسومة بحائط من الفسيفساء الجميلة، يحفه البحر، أما قصر الوطن، فمنظومة من البناء الهندسي البديع المستوحى من القلاع القديمة والمهيبة، تحفه الحدائق بالورود والبساتين وتمسده رائحة البحر.
حين نجدد التأمل نجدد الحلم، نوثق الحياة بالجمال، بانتماء المجتمعات الدائم لمراحلها الزمنية، تستشرف على إبداعات المعرفة، وتصوب أفكارها بالإحساس بالأشياء المتجسدة أمامها، إنها قراءة البحر، لموانئ عبرت الزمن، نحو رحيل السفن لغايتها من صيد، ومرحلة الغوص من أجل لؤلؤ ومواعيده، ومشاهد الحقب الزمنية، يثرثر بها البحر ليخبر المارة عن انعتاق حدث وانفصال ما بين زمنين جميلين.
حين ينسج الضباب وقته، يغلف المدينة، يحجبها عن السماء، تكاد الرؤية تتجسد كالمرايا المطفأة، بما يحيل المدينة إلى رتم من الدخان، بينما المدينة لا زالت تمارس طقوسها اليومية وترتسم في واقعها حتى زوال الضباب وانقشاعه، ما أجمل ما تراه من علو تدون معالم المدينة، بعينيها لتصعد الشمس رويداً رويداً وتشع عن خجل لتكتب صباحات وترسم أفقها من بعيد، لتكتب صباحات الأمل الجميل، وإن تدثرت قليلاً بالضباب، سمات النور تبدو جلية في منتهى أشجار النخيل المثمرة، تمسد النسمات وجه الحالم، يثير متعة جميلة، ما بين ظلالها الوارفة، ويكمن جمال صباحات الطبيعة اليقظة، ويكمن النقش في البدء، في مدارات، على زهو جميل تشعل الحراك اليومي، هل يحملنا التأمل كهذا نحو ثقافة التفاصيل البسيطة، متوازياً مع المعرفة والخيال وعجائب الطبيعة؟ هي زاوية من بانوراما العلو وثقافة التأمل.