العبارات التقليدية التي يحملها لك الرد الآلي عند الاتصال بالعديد من الجهات الخدمية بأن «مكالمتك تهمنا» وأن «المكالمة مسجلة لغايات الجودة» و«ندعوك للاشتراك في الاستبيان عقب المكالمة لتقييم أداء الموظف الذي رد على اتصالك»، كلها عبارات للأسف أصبحت تردد كالببغاء، ولكن بتسجيل آلي. عبارات تهدف لتحسين وجود الخدمات، ولكنها ولضعف المتابعة والتصميم، أصبحت عديمة الجدوى لأنها بدون أثر مباشر يلمسه المراجع بأن طريقة التعامل معه قد تحسنت، وأن هناك جودة فعلية في الخدمات.
لعل أبلغ دليل على ذلك كيف تحول الاتصال بهذه الجهة أو تلك -وهي جهات خدمية حيوية- إلى معاناة بمعنى الكلمة، وبالذات لكبار المواطنين، وأصبح الكل يبحث عن رقم مباشر أو نقال لموظفين هناك حتى ينجز معاملته بدلاً من الاستمرار في سماع عبارات ومبررات ترفع الضغط من نوع «جميع موظفينا مشغولون بالرد عن عملاء آخرين». وعندما تتحرى عن الأمر تكتشف عن «جميع موظفينا» ليسوا سوى عدد محدود من الأفراد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، ومطلوب منهم الرد على عشرات الاتصالات، لأن أحدهم أفتى بالتوسع رقمياً والاستعانة بمراكز اتصال تم التعاقد معها وتتبع شركات خاصة خارج الدولة، وذلك من باب تقليل النفقات وتحقيق الربحية، والأمثلة عديدة على ذلك.
بعض الجهات تصلح مراكز الاتصال فيها لتكون مراكز اختبار للأعصاب ومعرفة إن كان المتصل يعاني ارتفاعاً في السكر أو ضغط الدم من دون الحاجة للفحوصات التقليدية المتعارف عليها.
قبل أيام اطلعت على معاناة مسن مع مركز طبي كبير في العاصمة، في محاولاته العديدة للوصول للعيادة التي يتعالج فيها بسبب «إذا كنت تعرف التحويلة» أو «إذا كنت تريد؟» وبعد طول انتظار ظهر له موظف الاتصال ليرد عليه، وحوله للعيادة الخطأ، فأسقط في يده، وقرر إنهاء الاتصال مفضلاً الذهاب بنفسه وإنجاز حاجته.
وقس على ذلك الكثير من المواقف المماثلة الناتجة عن سوء تقدير للدور الكبير الملقى على موظفي مراكز الاتصال الذين يفترض فيها الكياسة واللباقة في الرد والإلمام بطبيعة الإجراءات والأوراق المطلوبة لكل معاملة، فهؤلاء يمثلون واجهة أي مرفق، وبداية رحلة كل متعامل معه. لذلك المسألة ليست في وضع جهاز آلي للرد أو نشر عدد محدود من العاملين للتعامل مع مئات الاتصالات اليومية المهمة التي تحمل كل منها حاجة اضطرت صاحبها للتواصل معهم. وكان الله في عون المتصلين والعاملين.