ألم يكن محقاً فيلسوف التطور الإنجليزي فرنسيس بيكون، عندما قال - المعرفة قوة؟ في ذلك الزمن من النهوض الأوروبي أي في القرن السابع عشر، يوم ما تخلصت أوروبا من الظلام وفتحت عيونها على نظرية كوبر نيكس بمركزية الشمس في هذا العالم، وليس الأرض كما قال قبله بطليموس.
ما يحدث في الإمارات اليوم هو شبيه بما حدث في عصر النهضة الأوروبية، حيث تستنهض هذه الدولة قدراتها، وتربت على ملكاتها، وتفترش شرشف الوعي ليكون الطريق إلى حياة جديدة ملأى بالإنتاج الحضاري الذي يغير من وجه العالم ويحول الأرض إلى حلقة دائرية ليس فيها من الزوايا التي تعيق حركة العقل وتمنع تشابك الجهود المعرفية، من أجل تواصل حقيقي يلغي الحدود، ويمنع المد البحري للعقد وتراكمات النقص من القفز على الأكتاف وتعبئتها بركام من الضغائن والعقد.
الإمارات تقود العقل البشري اليوم، وتذهب به إلى حيث تكمن المرافئ، وحيث تخبو العواصف، وتنطفئ ألسنة الموج، وتصير البحار والمحيطات والأجواء والتضاريس جادات ممهدة تسير على أديمها عربات الطموح من دون وهاد ولا استبداد لمخيلة مريضة، أو جائحة عقدية عليلة، أو اصطفاف رمادي أشبه بغبار الصحاري، الإمارات اليوم تخوض معركة ضارية ضد الجهل، وتسرج خيول العقل كي تمضي قدماً وبلا هوادة من أجل استرداد الإنسانية ممتلكاتها الحضارية التي فقد في لحظة غفلة من الزمن عندما تحولت العلاقات الدولية إلى منصات عويل وتهويل، وصارت الإنسانية تبكي على اللبن المسكوب، بينما الإمارات لم تتوقف ولم تتفرج على المشهد، بل نهلت من تاريخها وإرثها المبجل وبذلت الغالي والنفيس من أجل النهوض بالعقل واسترداد ما فقدته البشرية من حق في الحياة السعيدة ومن دون كبوات ولا عثرات.
هذه هي الرؤية التي وضعتها القيادة وسار الجيل على مناقبها، منتهجاً أسلوب الاقتداء بقادة كرسوا حياتهم لأجل رفع شأن الإنسان، وصياغة عقلة بما يتلاءم وإمكاناته الخارقة.
الإنسان عندما يضع المعرفة معياراً للتقدم، فلا بد له أن يتجاوز حدوده المكانية ويصل إلى مرتفعات قد لا تخطر على بال بشر، وهذا ما يحدث في الإمارات، فخلال الخمسين عاماً حدث التغير المدهش، ووثبت الجياد إلى قمم تبدو للوهلة الأولى من المستحيلات، ولكن أمام من لا يعرف المستحيل تبدو الجبال سهولاً مترعة بالعشب القشيب، وتصير البحار أنهاراً، والخلجان شطآنا ملحها ثلج وبرد.
هذه هي بلادنا اليوم بالعلم والمعرفة تزهو بشبابها، وتزدهر بعلمائها، وتزهر بفلذات أكبادها الذين صعدوا بها إلى السماء عندما عضدت القيادة طموحاتهم، وساندت أمنياتهم، وعززت تطلعاتهم.
هذه هي القصة كما يرويها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عندما يقول صعود الحضارات يرتبط بالمعرفة، وهي الفكرة التي سار عليها جل المفكرين والفلاسفة العظام عندما وجدوا أنفسهم أمام خيار المعرفة أو ضدها فاختاروا العلم كجناح يحلق بالأمنيات نحو فضاءات الحضارة.