يبدو لي الشاعر الجميل أحمد العسم في قصيدته الملحمية - أمينة - أراد من خلال الجملة الشعرية المحمولة على أكتاف وعيه الغارق في بحر من المشاهد الطفولية وبراءة زمنه، أن يجسد الصورة الحية لجلفار في كيان حسناء ذاقت ويل الحرمان من رائحة البحر، وظلت في خضم الشغف تجلو همها وانكساراتها بحيلة بصرية ليس أقل من تلوين الحلم بصبغة النبتة البرية التي تتهفهف عند خاصرة الصحراء لتعلن عن مذاق قصيدة جديدة تحد هنا في مكان ما من العالم، وتسجل للتاريخ مضمون ما يكنه الشعر من جماليات فائقة في الروعة، وترسل إشارات لمن يهمه الأمر بأن الحب لا عندما يشتعل وقيده لا تتجزأ خصلاته النارية، ولا تتفرع غصونه، إلا من أجل إثبات حقيقة بأن الإنسانية بحق بحاجة إلى هذا الحب ليبلل ريق الأرض، ويشفي غليل العشاق الذين لا عذوبة تطري ألسنتهم سوى عذوبة الحب.
سر تمكن العسم من امتلاك زمام القصيدة الحديثة هو صدقه أولاً ورهافته ثانياً، وهذا ما لا نجده عند الكثيرين، فأنت عندما تلتقي بهذا الشاعر، وكأنك في حضرة الطفولة، التي تمنحك العفوية وشفافية الكلمة، معززة بابتسامة أشف من حلم الوردة في ملامسة أجنحة الفراشات.
العسم، هو هكذا من دون رتوش، ولا حواشٍ، ولا مساحيق تجميل إنه هو في الواقع وفي خضم القصيدة يأتيك مزملاً بمعطف البراءة ويقد لك نفسه كما هي الموجة عندما تتدحرج على صهوة البحر، وتملي لك شكل البياض، وتمنحك النصوع، وتهديك لغة الأعماق وتصافحك برقة الزرقة اللدنة، وأنت تتأمل محيا العسم ترى عند شفتيه تجري جداول القصيدة، ممعنة في التسرب إليك لتأخذك إلى عوالمه البهية، تأخذك إلى فضاءات ترى فيها الأجنحة بيضاء من غير سوء، ترى فيها طفولتك التي توارت في معطف الأيام، فإذا بهذا الشاعر الجميل ينقب عنها عن قصد، ويلملمها من بين الصناديق التي خبأتها أنت في تلك الخيمة البعيدة عند أطراف جبل الذاكرة، ويقول لك لا تجزع هذه لك، وهذه قصيدتك، فاقرأها بعناية وتمهل ستجد نفسك نفسها، وستعثر على المرأة التي هرّبت مشاعرك إلى مكان آخر وسكنت في جوفك حتى إشعار آخر.