هناك جدلية جميلة ومحببة ومثيرة في الأطفال، دون غيرهم، وفي أعمارهم الأولى، وقبل أن تظهر أسنانهم اللبنية، تلك التي تجعل الفضول يصنعهم، فيصنعون هم الدهشة، بحيث لا تقوى أنت الكبير على تفسيرها، فما تقول عنه إن الطفل يكذب، هو خيال لا يعرفه عمرك، وأحيانا ينطقون بحكمة عفوية، لأنهم لا يعرفون سقفاً للأشياء، لذلك دعوهم لمرحهم وفضولهم ودهشتهم، ثمة أشياء لا يمكن أن يراها الصغار، ويقدرون على مقاومتها، فيعبثون بها أو يضعونها في أفواههم، بهدف الفضول، وحب التجربة، هؤلاء الصغار ردات فعلهم تجاه تلك الأشياء متشابهة، ولا تختلف من طفل لآخر:
- مشهد الكتاب مغرٍ، وصفحاته عرضة للشخبطة إن كان هناك قلم، أو مصيرها التمزيق، وأول الضحايا الغلاف.
- الجدار سطحه الأملس شيء شهي للأطفال لكي يكون مسرحاً لرسومهم البدائية، وأقلامهم العدائية الملونة.
- النظارة الطبية للأب الساكنة على طاولة السرير الجانبية، يمكن أن يأتي أي شقي من الأطفال، ويفتح أذرعها على مصراعيها، وتصبح أي شيء غير أنها نظارة تصلح لوجه آدمي.
- السكر غالباً لا يذوب في الفم، يمكن أن ينثر في كل مكان، ويمكن أن تصبغ به الأيدي لمشروع لعق دائم، أو مشروع تلطيخ لأي ثوب يُصادفهم.
- أي شيء مرتب، ومنظم يعدّه الصغار فوضى عليهم أن يعيدوا صياغته وترتيبه وفق منطقهم العشوائي وتطور عقولهم الطرية.
- علبة المحارم الورقية لا بد وأن تنسل ورقة ورقة حتى قاعها، يفعلونها بمتعة، وأنوفهم تسيل، لكنهم لا يعبأون، صانعين من تلك الأوراق أكواماً موزعة هنا وهناك.
- كأس الشاي أو القهوة الساخن، لا يسلم من العبث، فإما أن يدخلوا إصبعاً، ولا يخرج إلا محمراً، ملتهباً، وإما أن يريقوا تلك الكأس عليهم أو على الطاولة.
- حنفية الماء، لا يمكن أن تسلم من الأذى، فمنظر الماء منساباً هو متعة الأطفال، واللعب بالماء هواية تولد معهم، لكن نتيجتها أن كل البقعة تلك ستصبح «خَرسانة»، ترشح بالماء.
- مشهد وجه الأب مستلقياً في نومة القيلولة، يغري بلطمة من الكف الصغير، وشعر الشارب أو اللحية يستدعيه أن ينتفه مع ضحكة، وكأن أحداً يدغدغ خواصره.
- زرع الحديقة، وردة مزهرة، لا بد وأن يقتلعها بطريقة غير رحيمة، ويرميها وراءه.
- «ريموت كنترول التلفزيون» وخاصة الفص الأحمر الذي يلامع، لا بد من العبث، وتخريب ترتيب القنوات، ورفع ضغط الأم التي لا تعرف كيف تضبط الأمور الإلكترونية، خاصة حين لا يتبقى لديها وقت كاف قبل المسلسل التركي.
- أي شيء يعجب الأبوين، ويريدانه في مكانه، ويحرصان عليه كل الحرص، ويحوطانه بالحذر، تجده يلمع في عيون الأطفال، وفجأة يتحول إلى شظايا، ولا يتذكرون أنه كان كأساً من كريستال أو مزهرية من فخار أو تمثالاً من بورسلان.
- الأنف ملعب الأطفال الحقيقي، تجدهم مثل الذي يلعب على أرضه، وفي ملعبه، وتجد الوالدين من غير المشجعين دائماً على ذلك اللعب غير النظيف.
الأطفال لديهم وجهة نظرهم التي لا يراها الكبار أو لا تراها أنت كأب، كأن تراك ابنتك تجرب نظارات شمسية مذهبة في محل النظارات، فتقول لك: «أنت تشبه رجلاً غنياً بتلك النظارة»! تلك الجملة لا يمكنك أن تقاومها ضلوعك، فتشتري تلك النظارة كرماً لعينيها!