حين تصلك مقطوعة شعرية عبر «التواصل الاجتماعي» من شعراء أصدقاء يسترسلون الشعر ويتبادلونه مع أعزاء عليهم، بعيداً عن النشر في العلن أو المعلن تكون القصيدة في قلب الشاعر لا يمررها إلا للمقربين، ضمن ظاهرة تداول للنصوص الإبداعية المضنون بها على غير أهلها، كما لو أن في هذا شكلاً من غرس الأزهار في مكمن آمن حتى لا تندثر بذورها أو تنتشر في الهواء. وفي تداول الشعر عزف إبداعي جماعي، فلو تناغمت المعزوفة لازدهر النغم بجمالية مبتكرة، ولا ينطمس اللحن الجيد أيضاً ويذهب ضوؤه بل يخلد في أعماق التاريخ. لكن من حق الشعراء بالذات أن يتجاوروا ويتحاوروا في قصائدهم وأفكارهم الشعرية والأدبية، ويتداولوها فيما بينهم في زمن قد يقصي القصيدة الجميلة، ولا يلتفت لشاعرها بذات الاحتفاء كما كان في السابق.
والقصيدة حين تحط رحالها لدى شاعر آخر يستقبلها باهتمام غير عادي ويجاري أفكارها، ولربما تخرج القصيدة بما داخله من إلهامات منسية أو مؤجلة، فالقصيدة المتزنة الجميلة لا تمر دون أن تهمس في روح الشاعر همساً يثير ثائرة الشعر، ولربما يحيل الكاتب إلى عصف شعري أو مدى جميل من الكتابة، ولذلك لم تخلق القصيدة لتنتظر على عتبات لا تلتفت لها أو لا تبجلها.
وقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي -وإن لم يكن بالضرورة كلها- معجونة بالفوضى وغربلة الأخبار ونشر الزيف أحياناً، وسط اضطراب في سهوب المعاني. ولكنّ هناك تجسيداً آخر لروح الإبداع في عالم الثقافة والأدب، ومنه طرح القصيدة الفكرية، ومزجها بأساليب مبتكرة، وعبارات لا تغيب ما كتب بالماضي من قصائد متصلة في قالب متعارف عليه.
يتحفني أحياناً الشاعر إبراهيم محمد بأشعار مختلفة عن سياقه القديم الجميل أيضاً، ولكن هنا في إرسالياته يبدو أنه يجدد عهده بالكتابة والشعر بالذات كما لو أنه يسترسل الأيام بأسلوب مبتكر حديث يخاطب فيه أصدقاء الكلمة بعناوين خفية. هو الشاعر نفسه الباحث دائماً عن كماليات القصيدة بالتجديد.
أما الشاعر الآخر المتواصل بلغة القصيدة منصور بطاينة فلربما يجد حضوره في القصيدة ما بين الفصيح والشعبي ليجدد نهر السحر في قافية سلسة ومعانٍ تفوق الوصف. إنه الشاعر الذي يتكلم بلغة الجمال، هذا ما يفضي به في كل قصيدة مرسلة. لابد أن تعانق الطبيعة الجميلة وتبث الروعة والسحر في نفوس المتلقين.
مثل هذه المراسلات الأدبية تعانق الفضاءات وتخلق طوافاً عميقاً لابد أن يزهر بشيء من التواصل الشعري والأدبي، ويسهم في خلق عالم من المساجلات الشعرية غير المعلنة، بل المتدفقة في أرواح الشعراء، وهي تبتكر عالمهم السحري الجميل ضمن هذا الابتكار الزمني المختلف النسق المتجدد في قلوب الأدباء.